ثبتت له أجرته لا يبالي نبتت أو عطبت، ولو كان لا يثبت له أجر حتى تخرج وتنبت ولا يستطيع هو أن يخرج كان قد منعه هو من منفعة نفسه بما لا يدري أيتم أم لا يتم؟ ولعله لا ينبت إلا بعد سنتين أو ثلاثا، ولعلها لا تنبت أبدا فيكون قد ذهب عناؤه باطلا، فلا خير فيه إلا على ما فسرت لك.
قال محمد بن رشد: قوله أستأجرك على أن تغرس في أرضي هذه كذا وكذا نخلة، فإن خرجت ونبتت فهي بيني وبينك، معناه وما نبت منها فهو أيضا بيني وبينك بموضعه من الأرض، إذ لا يصح أن يجوز الجعل إلا على هذا، لأن من شرط جوازه أن لا يكون للجاعل فيه منفعة إلا بتمامه، لأنا لو حملنا المسألة على ظاهرها من أن المجعول له لا يجب له شيء إلا بأن يخرج النخل كلها وتنبت لوجب إذا لم تنبت كلها ونبت بعضها أن لا يكون للغارس فيما نبت حق، ويكون لرب الأرض الجاعل، وذلك ما لا يجوز باتفاق، ألا ترى أنه لا يجوز الجعل على خدمة شهر ولا خياطة ثوب من أجل أنه إن خدم بعض الشهر أو خاط بعض الثوب ثم ترك الخياطة أو الخدمة لم يجب له حق فيما خدم ولا فيما خاط فأخذ الجاعل باطلا، وذلك باطل لا يجوز، ولم يلتفت إلى لفظ الإجارة في قوله استأجرك لما شرطا فيها العمل على حكم الجعل، وهذا قوله في المدونة إنه إنما ينظر إلى الفعل لا إلى اللفظ.
وقوله في هذه المسألة إن المغارسة في الأرض على خدمتها لا تجوز إلا على وجه الجعل بأن لا يلزم المغارس التمادي على العمل ويكون له أن يخرج ويتركه متى ما أراد خلاف المشهور من أن المغارسة في الأرض على جزء منها جائزة على أنها لهما جميعا لازمة وإن كان لا يحملها الناس قياسا على المساقاة، وهذا أظهر، وإن كان فيه اعتراض لأن من شرط صحة المجاعلة أن يكون الجعل فيها معلوما، والجعل في هذه المغارسة غير معلوم، لأنه الجزء الذي شرط له من الأرض بعد غرسها كيف يكون الغرس، فالمغارسة على