بما رأى، وأما الأمر الذي لا يدري ما هو ولم يقبله بفهمه فلا أرى ذلك حتى يثبت فيه وينظر. وقال عمر بن عبد العزيز: لا ينبغي للقاضي أن يقضي إلا أن يكون عالما بما مضى من أقضية الناس مستشيرا لأولي الأمر.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، إن الأمر الذي قد مر عليه، وقضى به وعرف وجه الحكم فيه يقضي بما قد تقرر عنده من نص كتاب أو سنة أو إجماع أو اجتهاد، وليس عليه فيما علم الحكم فيه من طريق النظر والاجتهاد إعادة النظر، والاجتهاد كلما تكررت عليه النازلة بعينها، وأما ما نزل به مما لم يمر عليه فالواجب عليه أن يطلب وجه الحكم فيه في محكم كتاب الله، فإن لم يجده ففي ما جاء عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا صحبته الأعمال، فإذا كان خيرا صحبت غيره الأعمال قضى بما صحبته الأعمال، وهذا معلوم من أصول مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن العمل مقدم على أخبار الآحاد العدول، وكذلك القياس مقدم عنده على أخبار الآحاد العدول على ما ذهب إليه أبو بكر الأبهري، فإن لم يجد في السنة في ذلك شيئا نظر في أقوال الصحابة فقضى بما اتفقوا عليه، فإن اختلفوا قضى بما صحبته الأعمال من ذلك، فإن لم يصح عنده أيضا اتصال العمل بقول بعضهم تخير من أقوالهم ولم يخالفهم جميعا. وقد قيل: إن له أن يجتهد وإن خالفهم جميعا، وكذلك الحكم في إجماع التابعين بعد الصحابة، وفي كل إجماع ينعقد في كل عصر من الأعصار إلى يوم القيامة، فإن لم يجد في النازلة إجماعا قضى فيها بما يؤديه إليه النظر والاجتهاد في القياس على الأصول بعد مشورة أهل العلم، فإن اجتمعوا على شيء أخذ به، وإن