في سورة الجن:{وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا}[الجن: ٩]{وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا}[الجن: ١٠] . روي عن سعيد ابن جبير «عن ابن عباس أنه قال: كان للجن مقاعد في السماء يستمعون الوحي، فكان إذا نزل سمعت الملائكة كهيئة الحديد يرمى على الصفوان، فإذا سمعت الملائكة ذلك خروا لجباههم فإذا نزل عليهم أصحاب الوحي:{قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}[سبأ: ٢٣] فتنادوا بما ينزل، فإذا نزل إلى السماء الدنيا قالوا: يكون في الأرض كذا وكذا من موت عظيم أو من أمر يحدث من جدب أو خصب، فنزلت الجن بذلك فأوحوه إلى أوليائهم من الإنس. فلما بعث الله عز وجل محمدا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منعوا من الاستماع وفزع لذلك إبليس، وقال: لم يكن هذا إلا لظهور نبي، ففرق جنده في البحث عن ذلك، وكان فيمن بعث تسعة من جند نصيبين، فأتوا رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو ببطن نخلة قائم يصلي ويتلو القرآن فسمعوه ورقت إليه قلوبهم، فاشتهوه ودنوا منه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حبا للقرآن حتى كادوا يركبونه وهو- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يشعر بهم، وذلك قوله عز وجل:{كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا}[الجن: ١٩] وكانوا مؤمنين بموسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فآمنوا بالله ورسوله، ثم رجعوا إلى قومهم ولم يذهبوا إلى إبليس، فقالوا ما حكاه الله تعالى عنهم في الأحقاف:{قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ}[الأحقاف: ٣٠] فاستجاب لهم جماعة من قومهم، فأقبلوا بهم إلى رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهم نحو من سبعين جنيا، وهو - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ببطن نخلة، فلما بلغه أمرهم خرج إليهم ومعه عبد الله بن مسعود» .