قال محمد بن رشد: ليس في هذه الحكاية ما يشكل، فتكلم عليه حامي الحرمين الذي سئل عن قصته، فقال: لا أدري والأجراس كانت تعلق في أعناق الِإبل لتعرف مواضعها بأصواتها إن شدت أو ضلَت.
وتأول مالك: أنهم إنما كانوا يعلقونها عليها من أجل العين، وبوَّب على ذلك في موطئه " باب في نزع المعاليق والجرس "، وأدخل عليه ما حدَّثه عبدُ اللَّه بن أبي بَكْر عن عبَّاد بن تميم «أن أَبَا بَشيرِ الأنصارِي أَخبرَهُ: أَنه كَانَ مَعَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بعض غَزَواته، قَالَ: فَأَرْسَل رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَسُولاً، قَالَ عبدُ اللَّهِ بنُ أَبي بَكرِ: حسبت أَنَّهُ قَالَ، وَالنَّاسُ في مَقِيلِهِم: "لَا يَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلاَدةٌ مِنْ وَتَرِ أَو قِلاَدةُ إلَّا قُطِعَتْ» .
فرأَى مالك الأجراس دَاخلة في عموم ما أَمر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بقطعه من أعناق الِإبل، وتأول أن ذلك إنما كانوا يفعلونه من أجل العين، وتابعه على تأويله جماعة من أهل العلم، فلم يجيزوا أَن يعلق على الصحيح من بني آدم ولا من البهائم شيء من العلائق خوف نزول العين.
وقد مضى الكلام مستوفى على هذا المعنى في رسم الصلاة الأول من سماع أشهب من كتاب الصلاة. ومعنى السؤال في هذه الحكاية عن قصة الجرس، إنما هو لِمَ كانوا يحبسونه ويرفعونه، وقد جاء النهي في استعماله فلم يجبه على سؤاله. والجواب فيه أن استعماله وإن كان لا يجوز ففي حبسه منفعة، وهو أنه يذكر به العهد القديم، ويتراحم من أجله على من قد مات من السلف الكريم. والله أعلم.