قال محمد بن رشد: ثبت أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خمس أرض خيبر وقسمها بين الموجفين عليها بالسواء، وأن عمر بن الخطاب أبقى سواد العراق، ومصر، وما ظهر عليه من الشام؛ ليكون ذلك في أعطية المقاتلة، وأرزاق المسلمين ومنافعهم؛ فقيل إنه استطاب أنفس المفتتحين لها، فمن شح بترك حقه منها، أعطاه فيه الثمن؛ فعلى هذا لا يخرج فعله عما فعله النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في أرض خيبر، وإلى هذا ذهب بعض أهل العراق؛ وقال إن أقر فيها أهلها لعمارتها كانت ملكا لهم، بدليل ما روي أن عمر وضع الخراج على بياضها وسوادها؛ إذ لو كانت للمسلمين، لكان وضع الخراج على سوادها، بيعا للتمر قبل أن يخلق، وقيل إنه أبقاها بغير شيء أعطى الموجفين عليها، وأنه تأول في ذلك قوله عز وجل في آية الحشر:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ}[الحشر: ١٠]- الآية. وإلى هذا ذهب مالك وجميع أصحابه، خلافا للشافعي في قوله إنها تقسم كما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أرض خيبر؛ وقد اختلف على هذا في آية الفيء هذه، وآية الغنيمة التي في سورة الأنفال، فقيل إنهما محكمتان على سبيل التخيير في أرض العنوة بين أن تقسم على ما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أرض خيبر - مبينا لآية الأنفال - أنها على عمومها، وبين أن تبقى كما أبقاها عمر بدليل آية الحشر؛ وإلى هذا ذهب أبو عبيد - وهو قول أكثر الكوفيين أن الإمام مخير بين أن يقسمها - كما فعل الرسول - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في أرض خيبر، وبين أن يبقيها كما فعل عمر في سواد العراق؛ وقيل إن آية الحشر ناسخة لآية الأنفال؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين بفعله في أرض خيبر - أنها على عمومها في جميع الغنائم من الأرض وغيرها، وإلى هذا ذهب إسماعيل القاضي؛ وقيل إن آية الحشر مخصصة لآية الأنفال ومفسرة لها، ومبينة أن المراد بها ما عدا الأرض من الغنائم،