الجنب لا بأس به، والدابة لا بأس بعرقها، فكيف بعرق الجنب لا بأس بعرقه.
قال محمد بن رشد: قوله: يغسل ما يخاف أن يكون قد أصاب منه شيء هو مثل ما تقدم له في هذا الرسم في الذي يتجفف في الثوب يكون فيه الدم الكثيف، وذلك يدل على أن ما شك في نجاسته من الأبدان أن حكمه أن يغسل ولا يجزئ فيه النضح، وقد ذكرنا الدليل على الفرق في ذلك بين الثوب والجسد في مسألة الدم المذكورة، وفي كتاب ابن شعبان: أن النضح يجزي في الجسد كالثوب وهو شاذ، وقد ذهب ابن لبابة إلى أن النضح لا يجزئ في واحد منهما، وهو خروج عن المذهب جملة، وأما قوله في عرق الجنب: إنه طاهر إذا لم يكن بجسده نجاسة، فهو كما قال؛ لأن جسمه طاهر، وإنما يغتسل عبادة لا نجاسة، فعرق بني آدم تبع للحومهم في الطهارة.
وروي: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كان يقيل عند أم سليم، وكان كثير العرق، فاعتدت له قِطْعًا يقيل عليه، فكانت تأخذ عرقه فتجعله في قارورة، فقال: ما هذا يا أم سليم، فقالت: عرقك يا رسول الله أجعله في طيبي، فضحك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، فدل ذلك على طهارة العرق، وكذلك عرق سائر الحيوان وألبانها تبع للحومها، فلبن الحمارة نجس، قاله يحيى بن يحيى في سماعه، وإنما قال في المدونة: لا بأس بعرق البردون والبغل والحمار من أجل أن الناس لا يقدرون على التوقي منه، وأما ما يوكل لحمه فعرقه طاهر كلبنه، إلا أن يشرب ماء نجسا، فيختلف في عرقه ولبنه وبوله على أربعة أقوال:
أحدها: أن ذلك كله طاهر، وهو قول أشهب. والثاني: أن ذلك كله نجس، وهو قول سحنون. والثالث: الألبان طاهرة، والأبوال والأعراق نجسة. والرابع: الأبوال نجسة، والأعراق والألبان طاهرة.
وكذلك عرق السكران ولبن المرأة التي شربت الخمر، يتخرج ذلك على ثلاثة أقوال: