نهى عن قتلهم - وهي اعتزالهم لأهل دينهم، وترك معونتهم لهم بقتال أو رأي؛ واستدل أيضا بظاهر قوله عز وجل، {قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا}[المائدة: ٨٢] . إذ لم يخص لترهبهم موضعا من موضع، وقد روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه نهى عن قتال الرهبان، ولم ينه عن قتلهم لخير عندهم، بل هم أبعد من الله، لاستبصارهم في كفرهم، وإنما نهى عن قتلهم، لاعتزالهم أهل دينهم، وترك معرنتهم لهم بيد أو رأي؛ مع أنه ظاهر قوله عز وجل:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ}[التوبة: ٢٩]- الآية؛ لأن المقاتلة مفاعلة من الفريقين، ودليل قول الرسول - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في المرأة التي وقف عليها وهي مقتولة، فقال «هاه ما كانت هذه تقاتل» . إذ يدل ذلك من قوله على أنه إنما يقتل من أهل الكفر من يقاتل، وكما لا يقتل الرهبان (فلا يسبون - رجالا كانوا أو نساء، - وهو ظاهر هذه الرواية، وقد قيل في الرهبان) من النساء أنهن يسبين - ذكره ابن سحنون؛ ووجه قول مالك، إن الرهبان من النساء تبع لرجالهم في ألا يسبوا، كما أن النساء من غير الرهبان تبع لرجالهم في أنهم يسبون، ووجه قول سحنون إن النساء لما كن بمنزلة سواء في أنهن لا جزية عليهن ولا يقتلن، رواهب كن أو غير رواهب. وجب أن يكن بمنزلة سواء في أنهن يسبين رواهب كن أو غير رواهب، وكما لا يقتل الرهبان ولا يسبون، فلا تضرب عليهم الجزية؛ لأن الجزية إنما هي ثمن لتأمينهم، وحقن دمائهم؟ وقد اختلف فيمن ترهب من أهل الذمة بعد أن وضعت عليه الجزية، فقيل إنها توضع عنه، وهو قول ابن القاسم، وظاهر قول مالك وسفيان الثوري وأبي حنيفة في الواضحة؛ وقال مطرف وابن الماجشون عن مالك أيضا أنها