ليسوا على حال الحرب، ولا بحال من يتقنص فرصة يصيبها، فزعموا أنهم إنما أرادوا السكنى في أرض الإسلام، يكونون على حال الأحرار، ولا يغرمون جزية؛ ماذا يجوز للإمام أن يقرهم عليه؟ فقال: أما بيعهم فلا يحل للإمام ولا قتلهم، ولكنه يفرض عليهم غرم الجزية، فإن قبلوا أقرهم، وإن كرهوا ردهم إلى مأمنهم ولم يستحلوا، قال: وإن كانوا حين خرجوا دعوا إلى الجزية، فقد لزم السلطان أن يقرهم على ذلك، وليس له أن يقول لهم: لا أقبل منكم إلا أن أبيعكم إن أجبت، أو أردكم إلى مأمنكم، قال: وإنما يكون الإمام محتكما في أمر من أخذ من العدو بغير عهد يرى فيهم رأيه، إذ أخذ منهم قوم انكسرت سفينتهم واضطروا إلى موضع، فصاروا فيه كالأسرى، فأخذهم المسلمون بغير عهد، وقد تبين أنهم لم يتعمدوا الخروج إلى دار الإسلام، ولكنهم ألجئوا وصاروا بأيدي من ألجئوا إليه كالأسرى في أيدي المسلمين، فأولئك إن رأى الإمام بيعهم باعهم أو يضعهم في أي منافع العامة رأى في اجتهاده لهم أي الأمور رأى فيهم مما ينظر به للعامة، فذلك إليه، قلت: أيجوز له قتلهم إن رأى ذلك؟ قال: لا أحب له قتلهم، وقد سألت مالكا عن الأسارى أيقتلون؟ قال: لا، إلا أن يخاف منهم أحد فيقتل، فإن كان في هؤلاء من يخاف مثل الرجل من العدو المشهور بالنجدة والفروسية ونحو ذلك فرأى أن يقتله، فذلك له.
قال محمد بن رشد: قال في هذه المسألة: إنهم يصدقون فيما ادعوا إذا أخذوا في دار الإسلام، ولم يفرق بين قرب ولا بعد، فظاهره مثل ظاهر ما في أول رسم الصلاة بعد هذا، خلاف ظاهر ما مضى في هذا الرسم، من أن أمرهم إلى الإمام، وخلاف ما مضى في رسم الجواب، من سماع عيسى من التفرقة بين القرب والبعد، وقد مضى هناك تحصيل الخلاف في هذه المسألة