فأغار على المسلمين وأخافهم، وسبى وقتل ولم يقتل، غير أنه قد أصاب الأموال، أيحل دمه وماله أو استرقاقه إن أسر، وإنما إقامته على الإسلام تعوذا مما يخاف من القتل إن ظفر به؟ فقال: ما أراه إلا بمنزلة المحارب الذي يتلصص في دار الإسلام من المسلمين، وذلك أنه مقيم على دين الإسلام، فإن أصيب فأمره إلى الإمام يحكم فيه بمثل ما يحكم به في أهل الفساد والحرابة، وأما ماله فلا أراه يحل لأحد أصابه، قال: وإن كان ما يصنع مما يكره عليه ويؤمر به، فلا يستطيع عصيان من يأمره خوفا على دمه، فلا أراه حاربا، ولا أرى عليه إن أخذ قتلا ولا عقوبة إذ تبين أنه يخاف ويؤمر به.
قال محمد بن أحمد: قوله: إنهم في غاراتهم على المسلمين بمنزلة المحاربين، صحيح لا اختلاف فيه؛ لأن المسلم إذا حارب، فسواء كانت حرابته في بلد الإسلام أو في بلد الكفر الحكم فيه سواء، وأما قوله في ماله: إنه لا يحل لأحد أصابه، فهو خلاف ظاهر قول مالك في المدونة في الذي يسلم في بلد الحرب ثم يغزو المسلمين تلك الدار، فيصيبون أهله وماله وولده، أن ذلك كله فيء إذ لم يفرق فيها بين أن يكون غنم الجيش ماله وولد قبل خروجه أو بعد خروجه، وذهب أبو إسحاق التونسي إلى أن معنى قوله: إذا كانت غنيمة ماله وولده بعد خروجه، فحمل قول مالك على الوجه الذي تكلم عليه ابن القاسم إذا كانت الغنيمة بعد خروجه، وقد مضى في أول رسم المكاتب ما يدل على أنه لا يمتنع أن يدخل الخلاف في ذلك، ويحكم للمال والولد بحكم الدار في السبي والدين وإن كان مقيما به، ولم يخرج بعد منه،