قال محمد بن أحمد: قول ابن القاسم، ولا تسبى ذراريهم وأموالهم فيئا للمسلمين، يريد أن نسلهم وذراريهم لا يسبون، وأن أموالهم لا تكون فيئا وغنيمة للجيش الذين قاتلوهم كأموال الحربيين؛ لأن حكم أموالهم على مذهبه في قوله: إن ذراريهم لا يسبون حكم مال المرتد إذا قتل على ردته، يكون لجماعة المسلمين على حكم الفيء، وقد وقع في بعض الكتب: ولا تسبى ذراريهم، وأما أموالهم فهي فيء للمسلمين، وهو الصحيح، وفيه بيان ما تأولنا عليه قول ابن القاسم بنصب فيئا على الحال، وإلى هذا ذهب عامة العلماء وأئمة السلف، وهو قول ابن الماجشون وربيعة فيما حكى عنهما ابن حبيب، وقال أصبغ: تسبى ذراريهم ونساؤهم، وتقسم أموالهم ويقتل كبارهم على حكم الناقضين من أهل الذمة؛ لأنهم جماعة، وإنما يكون الارتداد في الواحد وشبهه.
وهذا هو الذي خالفت فيه سيرة عمر بن الخطاب سيرة أبي بكر الصديق، في الذين ارتدوا من العرب بعد وفاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، سار فيهم أبو بكر بسيرة الناقضين، فقتل الكبار، وسبى النساء والصغار، وجرت فيهم المقاسم وفي أموالهم، فلما ولي عمر بعده نقض ذلك، وسار فيهم سيرة المرتدين رد نساءهم وصبيانهم إلى عشائرهم وإلى الحرية، وأخرجهم من الرق والسبي، وحملهم محمل ذرية المرتدين أنهم على الإسلام إلا من أباه منهم بعد بلوغه، وما أباه أحد منهم على عمر ولا قبل ذلك، بل أقر كلهم بالإسلام ساعة سبوا، حكى هذا ابن حبيب، وفي قوله: إنه رد نساءهم وصبيانهم إلى عشائرهم، وأخرجهم من الرق بيان أن الذي قضى فيهم أبو بكر بالسبي هم الذين نقض فيهم عمر القضية، وذلك خلاف ما قالوا من أن القاضي لا يرد ما قضى به غيره قبله باجتهاده فتدبر ذلك، وقول أشهب: إن أهل الإسلام في هذا سواء، لا تسبى ذراريهم ولا أموالهم، ولا يعادون إلى الرق، ويقرون على الحرية، مثل ما له في المدونة وغيرها، فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال؛ مساواة