البحر يحلون فيه؟ قال: لا يحلون أبدا حتى يصيروا من البحر إلى الموضع الذي يأمنون فيه من عدوهم، ويذهب عنهم الخوف، فإذا صاروا إلى تلك حلوا، فقال له بعض أهل الغزو والمعرفة بالبحر: إنهم اليوم لا يأمنون حتى يقعوا بلادهم، ويخرجوا من البحر؛ لأن مراكب المسلمين قد كثرت عليهم، فقال لهم: فلا يحلون إلا في الموضع الذي يأمنون فيه، وهو الخروج من البحر إن كان الأمر كما وصفت، وقد قال الله:{ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ}[التوبة: ٦] قلت له: فهو حلال إذا جاءنا ما لم يعط الأمان، وإن قرب من مرسانا أو بعد، فقال: أما من عرف بالتجارة من المسلمين، فلا يحل إذا أخذ، وهو مقبل إلى الأمان فيما قرب من المرسى ولا فيما بعد، لا يحل أبدا إلا أن يؤخذ في بلده، أو يؤخد وهو يريد إلى غير المسلمين، وأما قوم لم يعرفوا بالتجارة فهم حلال.
قال محمد بن رشد: قوله في تجار الحربيين إذا ركبوا البحر راجعين: وإنهم يحلون إذا صاروا من البحر إلى موضع الأمن، وإن لم يصلوا بعد إلى بلادهم، ينبغي أن يحمل على التفسير لما في المدونة في هذه المسألة؛ إذ لم يفرق فيها هذه التفرقة، ولمسألة حبل حبلة، من سماع عيسى، ويحمل عليها ما أشبهها من المسائل، من ذلك إذا غنم العدو في بلاد المسلمين شيئا من أموال المسلمين، ثم غنمه المسلمون منهم قبل أن يصلوا به إلى بلادهم، هل يقسم إذا لم يعرف صاحبه أم لا؟ وهل يأخذه صاحبه إن قسم بغير ثمن