ثم أراد أحدهما أن يرده، رأيت ذلك له إلا أن يكونا تبايعا ذلك من عصاص أو حطم، أو ضعف عن الجهاد، فيجوز ولو كان ذلك في أحدهما والآخر سليم، رأيت أن يرد السليم منهما إلى صاحبه.
قال محمد بن رشد: أما قوله: إذا تبادلا بالفرسين الحبيسين، فوجد بأحدهما عيب فصحيح لا اختلاف فيه، إذ لا يصح أن يلزم العيب من لم يرض به في المبادلة، كما لا يصح في المبايعة، قال ابن أبي زيد: ولو وجد بأحدهما عيب، وأصيب الآخر لرد المعيب، وأخذ قيمة فرسه الفائت، وحكاه عن ابن القاسم من كتاب ابن المواز، وهو بعيد لا وجه له، إلا أن يكونا تبايعا ذلك من عصاص أو حطم أو ضعف عن الجهاد؛ لأن من اشترى فرسا حبيسا فتلف عنده كان له أن يرجع بالثمن، ولو لم يكن عليه ضمان، كمن اشترى عبدا فمات عنده ثم استحق بحرية.
وأما قوله: إن لمن أراد منهما الرد أن يرد، وإن لم يجد عيبا، فإنه كلام فيه نظر؛ لأنه إذا لم ير المبادلة بينهما جايزة إلا أن يكونا تبايعا ذلك من عصاص أو حطم أو ضعف عن الجهاد، وكما قال، فكان يلزم على قوله أن يقول: إن الترداد لازم لهما؛ لفساد المبادلة بينهما، والأظهر أنها جائزة، وأنه لا رد لأحدهما إلا أن يجد عيبا على ما في المدونة من إجازة المبادلة في طعام العدو ببلد الحرب، إذ لا فرق بين المسألتين؛ لأن الطعام لا يملك أخذه في بلد الحرب، وإنما له الانتفاع بأكله في بلد الحرب، فهو كالفرس الحبيس الذي لا يملك، وإنما للذي هو بيده الانتفاع بركوبه في السبيل، فهذه الرواية تأتي على ما روي عن مالك من أن المبادلة في ذلك كالمبايعة لا تجوز.