في سريتهم، ولا أرى بالخروج معهم بأسا لمن لا يريد أن يأخذ من ذلك شيئا إذا صحت نيته، ولم يخرجه إلا حب الجهاد والرغبة فيه، وقد بلغني عمن بلغه أن بعض أهل العلم والفضل قد خرج معهم، ولا أرى ما يأخذون حراما، ولا أرى بخروج السرايا افتداء على غير هذا، ولا ببعثة السرايا وانتشارها سرا وعلانية بأسا، ولم تزل السرايا من أمر الجهاد وسيرته وقوته، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يرد على المسلمين أقصاهم» ، فالسرايا من ذلك تصير وتصيب وترد على الجيش والعسكر وعنهم، ولا أرى أن تكون السرايا إلا كتيفة وتقاوة وشجاعة وإن قلوا، فقد يكون الرجل خيرا من كثيبة، وخيرا من عدد، وخيرا من مائة، ما لم يبعثوا القلة على الجماعة الحصون، وما أشبهه من الجموع، ولا ينبغي أن تكون السرية غدرا، ولا إلى الموضع غرة ولا غررا، قال: ووهن السرية وهن العسكر وغررها غرر العسكر.
قال محمد بن رشد: هذا معلوم من مذهب مالك في المدونة وغيرها أنه لا يجوز للإمام أن ينفل قبل القتال، لئلا يرغب الناس في المال، فتفسد نيتهم في الجهاد، فإن وقع ذلك مضى للاختلاف الواقع في ذلك والآثار المروية فيه، من ذلك ما روي: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لعمرو بن العاص:«هل لك أن أبعثك في جيش، فيسلمك الله، ويغنمك، وأرغب لك في المال رغبة صالحة» ، وما روي من أنه «كان ينفل السرايا في البدأة الثلث، وفي الرجعة الربع» ، «وأنه نفل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في البدأة الربع وحين نفل الثلث» .