قد انتفع بذلك مما جرى على يد الحالف الذي حلف ألا ينفعه؟ قال: ذلك إلى نيته، وإن كان إنما نوى ألا ينفعه بشيء هو له بعينه، أو يعطيه إياه، ولعله أن يكون قد كانت تكون إليه أشياء غير واحدة من صنائع المعروف، فإن كانت هذه نيته، فليس عليه بأس أن يدفع إليه دينا له قبله أو ميراثا أو وصية، أو ما كان مما لا يكون من مال الحالف، قال ابن القاسم: وإن لم تكن له نية، فلا يجري عليه شيئا، وهو وجه ما سمعت من مالك.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه عم جميع الوجوه والمنافع كانت من ماله أو من مال غيره بحلفه ألا ينفعه بشيء، فوجب أن يحنث بإجراء تلك الصدقة عليه؛ لأنها داخلة تحت عموم لفظه، إلا أن تكون له نية في أنه إنما أراد ألا ينفعه بما له، فتكون له نيته التي نوى، ويصدق فيها، وإن لم تكن كانت إليه منه قبل ذلك صنيعة من صنائع المعروف، إذ لم يجعل ذلك شرطا في قبول نيته، وإنما قال: ولعله أن يكون قد كانت إليه منه شيئا من صنائع المعروف، فيكون ذلك بينا في قبول نيته، وهذا إذا كانت يمينه التي حلف بها مما لا يقضى عليه بها، وأما إن كانت يمينه التي حلف بها بعتق أو طلاق وما أشبه ذلك مما يقضى به عليه، فلا ينوى، ويحكم عليه بالعتق أو الطلاق إلا أن يكون قد كانت إليه منه قبل ذلك أشياء من صنائع المعروف، فينوى فيما ادعاه مع يمينه هذا الذي يأتي في هذا على أصولهم، إذ من قولهم: إن من ادعى نية مخالفة لظاهر لفظه فيما يحكم به عليه لا يصدق فيها إلا بسبب يدل على صدق قوله.