فخرجت يمينه على الصحفة؛ لأن الصحاف هي التي يأكل الناس فيها في غالب الأمر، لا لأنه قصد الصحفة دون غيرها من الآنية والظروف، فوجب أن لا يعتبر بتسمية الصحفة لهذه العلة، ولو اعتبر لوجب ألا يحنث إذا أكلت معه في جفنة أو في برمة، أو في صحفة صغيرة، وهذا ما لا يمكن أن يقال بوجه؛ لكونها في معنى الصحفة سواء، فلو سمي - على هذا القياس الذي أصلناه وهو صحيح - ما لا يوكل فيه في غالب الأمر، لوجب أن يراعى تسميته، ولا يحنث إذا واكلته في غيرها؛ لما يظهر من قصده إلى الحلف على ما سمي دون سواه، فإذا حلف ألا يأكل مع امرأته في طبق لم يحنث إذا أكلت معه في صحفة، وكذلك لو سمى الطبق مما لم تجر العادة أن يوكل فيه إلا نادرا، ولو حلف ألا يأكل معها فاكهة في طبق، فأكل معها فاكهة في غير طبق صحفة أو غيرها من الآنية لحنث؛ لأن الفاكهة لما كانت لا توكل في غالب الأمر إلا في الأطباق علم أن يمينه إنما خرجت على الطبق لذلك؛ لأنه قصد إلى الطبق دون ما سواه من الآنية والظروف، وهذا أصل يطرد.
من ذلك قولهم: من حلف ألا يأكل خبزا، فأكل كعكا أنه يحنث، ومن حلف ألا يأكل كعكا، فأكل خبزا أنه لا يحنث، ومن حلف ألا يدخل على فلان بيتا، فدخل عليه الحمام أو السجن حنث، ومن حلف ألا يدخل على فلان حماما ولا سجنا، فدخل عليه بيتا ليس لحمام ولا سجن لم يحنث، ومثل هذا كثير، وقوله في المسألة: فأمره أن يطلقها واحدة، كلام ليس على ظاهره من أنه أمره أن يستحدث لها طلاقا، وإنما معناه أنه أمره أن يعد ما قد وقع عليه من الحنث بأكلها البضعة من الطبق طلقة واحدة ثم يرجعها، ولو استحدث لها طلاقا على ظاهر لفظه؛ لكانت طلقة أخرى سوى الطلقة التي حنث بها، وهذا بين لا إشكال فيه.