تفسيره من ضرورة، بمنزلة المريض لا يكون عنده أحد يوضئه ولا ييممه، فيمد يده إلى الجدار بجنبه إذا كان جدارا أسود، يريد أن يكون الجدار من طوب نيء.
قال محمد بن رشد: وجه هذا السؤال أنه سأله عن تفسير ما روي: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سلم عليه رجل في سكة من السكك، وقد خرج من بول أو غائط، فلم يرد عليه حتى أقبل على الجدار فتيمم» ، فقال تفسيره من ضرورة، أي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يفعل ذلك إلا من ضرورة، إذ لم يصل إلى الصعيد الطيب؛ لكونه في السكك والطرق التي لا تنفك عن النجاسات، وخشي أن يفوته الرد الذي قد أوجبه الله تعالى بقوله:{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}[النساء: ٨٦] إن أخره إلى أن يجد الماء فيتوضأ، إذ لا يكون ردا إلا بالقرب، وذلك أن ذكر الله تعالى على غير طهارة كان في أول الإسلام ممنوعا ثم نسخ، فأراد أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تيمم الجدار من ضرورة، وهي ما ذكرنا، كما يتيممه المريض من ضرورة إذا لم يكن عنده أحد يوضئه أو ييممه.
وقوله إذا كان الجدار أسود، يريد أن لا يكون قد كسي بجص أو جير، فإن كان كذلك لم يجز التيمم عليه، قاله في كتاب ابن المواز، وهو صحيح، وقوله: من طوب نيء صحيح؛ لأنه إن كان آجرا مطبوخا لم يجز التيمم عليه، وقد قال ابن حبيب: إن المريض يتيمم الجدار آجرا كان أو صخرا أو حجارة أو حصبا إذا لم يجد من يناوله ترابا، ولا من ينقله إلى موضع الصعيد، وهو بعيد إلا أن يريد آجرا غير مطبوخ، والله أعلم، وبه التوفيق.