الماء الذي وقعت فيه الميتة. قيل لسحنون: فهل تكون أبوال الأنعام إذا شربت من ماء غير طاهر طاهرة؟ فقال: لا وهي نجس، وقال ابن نافع: لا يسقى بالماء النجس كل ما يؤكل لحمه، ولا يسقى به البقل إلا أن يغلى بعد ذلك بماء ليس بنجس.
قال محمد بن رشد: قول مالك: لا بأس أن يسقى النحل العسل الذي وقعت فيه ميتة، هو مثل ما في المدونة، يريد ويكون العسل طاهرا، وكذلك لبن الماشية التي تسقى الماء النجس، طاهر عند ابن القاسم بدليل تخصيصه الإناث في هذه الرواية بخلاف أبوالها، وسحنون يقول: إن ألبانها نجسة كأبوالها، وأشهب يرى ألبانها وأبوالها طاهرة. وقول ابن القاسم في تفرقته بين البول واللبن هو أظهر الأقوال وأولاها بالصواب. وأما قول ابن نافع: لا يسقى بالماء النجس كل ما يؤكل لحمه، فيحتمل أن يكون كره ذلك من أجل الاختلاف في نجاسة ألبانها، فقد كره ذلك أيضا مالك في رواية ابن وهب عنه لهذه العلة، والله أعلم؛ إذ لا بأس بأكل لحومها، وإن شربت ماء نجسا، فقد قال ابن القاسم في سماع عيسى من كتاب الضحايا في الجدي يرضع الخنزيرة: أحب إلي أن لا يذبح حتى يذهب ما في بطنه، ولو ذبح مكانه لم أر به بأسا.
ويحتمل أن يكون ابن نافع كره ذلك مخافة أن يذبحه من لا يعلم قبل أن يذهب ما في جوفه من ذلك الماء النجس على ما استحب ابن القاسم من أن لا يذبح الجدي إذا رضع الخنزيرة حتى يذهب ما في جوفه من أجل نجاسته، وما يلزمه من غسله والتوقي منه. وأما قول ابن نافع: إن البقل لا يسقى بالماء النجس إلا أن يغلى بعد ذلك بماء ليس بنجس؛ فلا وجه له، إذ لو نجس بسقيه بالماء النجس لكانت ذاته نجسة، ولما طهر بتغليته بعد ذلك بماء طاهر، وبالله التوفيق.