كانت تعيش في البر فلا يحتاج فيها عنده إلى ذكاة الضفدع ودرس الماء وغيره إلا أنه كره خنزير الماء، وقال: أنتم تقولون خنزير، وقال الليث بن سعد: لا يؤكل خنزير الماء ولا إنسان الماء، ومن أهل العلم من فرق بينهما وبين السمك فلم يجز أكلها على حال، ومنهم من لم يجز أكلها إلا بذكاة، ومنهم من أوجب الذكاة فيما كان منها يعيش في البر، وهو قول ابن دينار من أصحاب مالك في المدينة لا أرى أن تؤكل ترس الماء إلا بذكاة لأنه يكون في البر والبحر، وقد بلغني أنه لا يكون بيضه إلا في البر، فإذا كان يعيش في البر والبحر فلا يؤكل حتى يذكى.
وقال عيسى عن ابن القاسم: كل ما كان مستقره ومأواه الماء فهو يؤكل بغير ذكاة وإن كان يرعى في البر وما كان مأواه ومستقره في البر فلا يؤكل بغير ذكاة وإن كان يعيش في الماء، فهذه الرواية عن ابن القاسم تفسر مذهب مالك واعتبار مالك في جواز أكل كل ما يعيش في البر من دواب البحر بغير ذكاة، بأن المحرم يصيده صحيح؛ لأنه إنما جاز له صيده من أجل أنه مذكى لا يحتاج إلى تذكية. فمن قال: لا يؤكل إلا بذكاة وأجاز للمحرم صيده فقد تناقض، واتفق أهل العلم كلهم في جواز أكل سمك البحر، وهو كل ما له سفتق من الحوت إلا الطافي منه فإن منهم من لم يجز أكله، وقد روي عن النبي، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، من رواية جابر أنه قال:«ما ألقى البحر أو حسر عنه فكلوه وما طفا فلا تأكلوه» . ولم يصح عن مالك هذا الحديث فأجاز أكل الطافي وغيره، وقد سأل عبد الرحمن بن أبي هريرة عبد الله بن عمر عما لفظ به البحر فنهاه عن أكله ثم انقلب فدعا بالمصحف فقرأ:{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ}[المائدة: ٩٦] .