يضحي إذا قدر على ذلك، والضحية في السفر والحضر سواء، إلا أن المسافر عسى به أن يشتغل ولا يقدر على الإقامة في التماس الضحايا، قال مالك: بلغني أن رجلا سافر فأدركه الأضحى في السفر، فمر على راع وهو يرعى على رأس جبل، فقال: يا راعي، أتبيع مني شاة صحيحة أضحي بها؟ قال: نعم، قال: أنزلها فاتركها فاشتراها منه، ثم قال له: اذبحها عني فذبحها الراعي، وقال: اللهم تقبل مني، فقال له ذلك الرجل: ربك أعلم بمن أنزلها من رأس الجبل، ثم سار وتركها.
قال محمد بن رشد: حكى ابن حبيب عن أصبغ أنه قال: إن ما في هذا الحديث أن ابن عمر ضحى في السفر، وأما المبالغة فيما فعل الراعي على طريق الفقه، فالأجزى وتجزي عن الراعي، ويضمن قيمتها له، ويضحي بغيرها كمن تعدى على أضحية رجل، فذبحها عن نفسه، وتابعه الفضل على تأويله فقال: بل لا يجزئ عن واحد منهما على أصله المتقدم، وليس ذلك بصحيح؛ لأن الراعي لم يتعد على ابن عمر في ذبح أضحيته، وإنما ذبحها بأمره فهو حاضر مستنيب له في ذلك، فوجب أن تكون النية في ذلك نيته لا نية الراعي، كمن أمر رجلا أن يوضئه فوضأه النية في ذلك نية الآمر الموضإ لا نية المأمور الموضئ، ألا ترى أنه لو نوى فيها لابن عمر خلاف نيته من ذبحه إياها له على أنها شاة لحم لم يؤثر ذلك في نيته، وإنما قوله فيما ذبح لغيره وبأمره: اللهم تقبل مني بمنزلة قوله: اللهم تقبل مني صلاة فلان وصيامه، فذلك لغو ودعاء غير مقبول، على أنه يحتمل أن يكون الراعي أراد: اللهم تقبل مني عملي في ذبحي الذبيحة عنه ومعونتي إياه على نسكه ولا تحرمني الأجر في ذلك، ولعله ظن بعمله أن الأجر في ذلك له لا لابن عمر، إذ تولى ذبحها هو