لحمه، وقد كان ابن عمر يقول: إني لأحب أن أجعل بيني وبين الحرام سترة من الحلال، ولا أحرمه.
قال محمد بن رشد: في ظاهر جواب مالك في هذه المسألة تناقض؛ لأن قوله فيه إنما يقال: هذا في جلود الأنعام يدل على أن جلود ما سوى الأنعام لا يطهرها الدباغ، وقوله فيه فأما جلود ما لا يؤكل لحمه، فكيف يكون جلده طاهرا إذا دبغ وهو مما لا ذكاة فيه يدل على أن جلود جميع ما يؤكل لحمه من الأنعام وغيرها يطهرها الدباغ ويقتضي كلامه أن جميع ما لا يؤكل لحمه من الدواب والسباع لا تعمل الذكاة في جلودها، ولا يطهرها الدباغ خلاف مذهبه في المدونة في جلود السباع؛ لأنه أجاز فيها تذكيتها لأجل جلودها، وقال في الصلاة: الأول منها لا بأس بالصلاة عليها إذا ذكيت مراعاة للاختلاف في أكل لحومها، كما راعى ذلك أيضا في السلم الثالث منها في جواز بيعها باللحم فكرهه، وإطلاقه الطهارة في هذه الرواية في جلود الأنعام أو في جلود كل ما يؤكل لحمه على ما ذكرناه من الاضطراب بالدباغ، يقتضي الطهارة الكاملة له صلاة وغيرها خلاف المشهور عنه في المدونة وغيرها من أن جلد الميتة لا يطهر بالدباغ إلا للمنافع دون الصلاة، فيتحصل فيما يطهر بالدباغ من جلود الميتات؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا دبغ الإهاب فقد طهر» ، خمسة أقوال؛ أحدها: أنه لا يطهر به إلا جلود الأنعام خاصة، وهو الذي يدل عليه قول مالك في هذه الرواية، إنما يقال ذلك في جلود الأنعام، ووجه هذا القول، إن أهل اللغة قد قالوا منهم النضر بن شميل وغيره: إن الإهاب إنما هو جلد الأنعم، وما عداه فإنما يقال له جلد، ولا يقال له إهاب.
والثاني: إنه يطهر به جلود الأنعام وجلود جميع ما يؤكل لحمه من الوحش وهو دليل قول مالك أيضا في هذه الرواية ما بيناه.
والثالث: إنه يطهر جميع الجلود إلا جلود الدواب وجلود الخنزير، وهو الذي يأتي على مذهب مالك في المدونة أنه قال فيها: إنه يصلي بجلود السباع إذا ذكيت ولا يصلي بجلد الحمار، وإن