قال محمد بن رشد: قد اختلف أهل العلم في قوله عز وجل: {يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ}[التوبة: ٣] ، هل الأكبر نعت للحج، أو لليوم، فمنهم من قال: إنه نعت للحج، ومنهم من قال: إنه نعت لليوم، ثم اختلف الذين قالوا: إنه نعت للحج، فمنهم من قال: إنما قيل له الأكبر؛ لأن ثم حجا أصغر وهو العمرة، ومنهم من قال: إنما قيل له الأكبر؛ لأنه عنى حج أبي بكر إذ وقع في ذي القعدة على ما كان عليه أهل الجاهلية من النسي، وقد كان الحج في العام الذي قبله في ذي القعدة أيضا، فسماه الله الأكبر، إذ كان الأكبر من الحجين الواقعين في ذي القعدة، وقيل: إن حجة أبي بكر وافقت ذا الحجة، فوقعت فيه، فسماه الله الحج الأكبر لاستدارة الزمان إليه، وثبوت الحج فيه إلى يوم القيامة، واختلف الذين قالوا: إنه نعت لليوم أيضا، فمنهم من قال: إنه يوم عرفة؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الحج عرفة» ، ولأن من فاته الوقوف بعرفة فقد فاته الحج، ومنهم من قال: إنه يوم النحر، وإلى هذا ذهب مالك، وهو أظهر الأقوال؛ لأن المراد بذلك المجتمع الأكبر؛ لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث أبا بكر أميرا على الحج سنة تسع والنسي قائم، والمشركون يحجون مع المسلمين، وكان قريش ومن ولدته قريش يقفون بالمشعر الحرام يوم عرفة، ويقف سائر الناس بعرفة، ثم يجتمعون كلهم بمنى يوم النحر، فأمر الله نبيه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن يؤذن الناس ببراءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين يوم الحج الأكبر، أي يوم اجتماعهم الأكبر، وهو يوم النحر بمنى؛ ليسمع جميع الناس النداء، فيبلغ شاهدهم غائبهم، فكان مما أوذنوا به ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، وتليت عليهم سورة براءة إنذارا لهم وإعذارا إليهم.