عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم، فاعتمرت مكان عمرتها التي كانت على ما وقع في الموطأ، ولم ير مالك العمل بذلك، وقال: ما أظن الحديث بذلك إلا وهما؛ إذ قد روي عن عائشة أنها كانت محرمة بالحج لا بالعمرة، ولأنه لا يرى لمن أحرم بحجة أو عمرة أن يرفض شيئا من ذلك؛ لقوله عز وجل:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}[البقرة: ١٩٦] ، وقد تأول أن أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إياها أن تهل بالحج وتدع العمرة، إنما معناه أن تهل بالحج وتدع العمل بالعمرة لا العمرة، فكانت بذلك قارنة، وهو تأويل يخرج به الحديث على المذهب لولا أنه يرده قوله في الحديث:«انفضي رأسك، وامتشطي، وأهلي بالحج» ؛ لأنها يدل على أنها رفضت الإحرام الذي كانت فيه بالعمرة، ويدل على أنها رفضت الإحرام بالعمرة؛ «ما روي عنها من أنها قالت: يا رسول الله، أيرجع الناس بحج وعمرة، وأرجع بحج؟ فأرسلها مع أخيها عبد الرحمن إلى التنعيم، فاعتمرت مكان عمرتها» ، فأولى ما يقال في هذا أن الحديث وهم كما روي عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والصحيح إن شاء الله ما ذكر في موطئه، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، «عن عائشة أنها قالت: " قدمت وأنا حائض، فلم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، فشكوت ذلك إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت، ولا بين الصفا والمروة حتى تطهري» ؛ لأن هذا يدل أنها كانت محرمة بالحج، وأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمرها أن تتمادى على عمل حجها، على ألا تطوف بالبيت، ولا بين الصفا والمروة، ثم أعمرها من التنعيم لترجع بحج أو عمرة، كما رجع غيرها من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ويحتمل أن يكون تأول من ذهب إلى أن رسول الله إنما أمرها أن تردف الحج على العمرة، لا أن تنقض العمرة، وتحل منها، ثم تستأنف الإحرام بالحج، وأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنما أمرها أن تنفض رأسها وتمتشط؛