السير، وآخر يقدر أن يمشي على رجليه، ولا صفة في هذا أبين مما أنزل الله:{مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا}[آل عمران: ٩٧] .
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال مالك: إنه لا صفة في ذلك أبين مما قال تعالى، فمن قدر على الوصول إلى مكة إما راجلا وإما راكبا بشراء أو كراء فقد لزمه فرض الحج، وذلك يختلف باختلاف أحوال الناس، فقد يفتقر الرجل في الوصول إلى مكة إلى الزاد والمركوب، وقد لا يفتقر إلى واحد منهما، وقد يفتقر إلى أحدهما، فإن كان الرجل ممن لا يقدر على المشي أو يقدر عليه لمشقة تفدحه أو عيش في بلده مما يتعذر عليه العيش منه في طريقه كالصناعة التي لا يجدها أو السؤال الذي لا يجد له موضعا في طريقه فلا يجب عليه الحج حتى يجد الزاد والمركوب، ويلزمه أن يبيع في ذلك ما يبيعه عليه السلطان في الدين. وإن كان ممن يقدر على المشي بغير مشقة تفدحه وما يعيش به في بلده لا يتعذر عليه في طريقه من صناعة لا يعدمها أو سؤال لا يتعذر عليه، فالحج واجب عليه وإن لم يجد زادا ولا مركوبا؛ وإن كان عيشه مما يتعذر عليه في طريقه وهو يقدر على المشي فالحج واجب عليه [إذا وجد الزاد وإن لم يجد المركوب] ، وإن كان عيشه في بلده مما لا يتعذر عليه في طريقه وهو لا يقدر على المشي فالحج واجب عليه إذا قدر على المركوب وإن لم يجد الزاد، وأما إن كان عيشه من غير السؤال وهو يقدر أن يتوصل إلى مكة بالسؤال فلا اختلاف في أن ذلك لا يجب عليه. واختُلف هل يباح له ذلك أو يكره؟ فقيل: إن ذلك له مباح، وقيل: إنه له مكروه، والأول قول مالك في رواية ابن عبد الحكم عنه، والثاني قوله في سماع ابن القاسم من كتاب الصنائع والوكالات، وقد مضى في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم القول إذا لم يجد نفقة يخلفها لزوجته، وكان إن خرج رفعت أمرها