هديه بالحديبية في الحرم. قلت له: نحر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحرم، قال: سمعت ذلك، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأصحابه يوم الحديبية:«احلقوا وانحروا، فأبطئوا، فذكره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأم سلمة فقالت: يا رسول الله فلو فعلت أنت ذلك، ففعل رسول الله ففعلوا»
قال محمد بن رشد: قوله: وقد نحر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ هديه بالحديبية في الحرم، معناه: نحر هديه في الحرم إذ كان في الحديبية؛ لأن الحديبية في الحل، لكنه لم يكن صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ممنوعا من دخول الحرم، فبعث هديه من الحديبية إلى الحرم ينحر به على ما روي، فصحت بذلك لمالك حجة لما ذهب إليه من أن محل الهدي من الحرم مكة القرية نفسها ومنى، [لا] جميع الحرم، لقوله عز وجل:{وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ}[الفتح: ٢٥] ، وهو قد نحر بالحرم إذ لم ينحر بمكة حيث بنيان القرية. وقد ساق ابن أبي زيد هذه الرواية في النوادر سياقة فاسدة غير صحيحة على ما تأوله فيها، فقال: وروى أشهب عن مالك في العتبية أن الحديبية في الحرم. ومن صد عند مالك قبل أن يبلغ الحرم حل وحلق رأسه ونحر هديه حيثما كان، إذ لا فرق عنده في النحر بين الحل والحرم ما لم يبلغ بيوت مكة أو منى. وقد قيل: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ إنما نحر بالحديبية في الحل لا في الحرم.
وذهب أبو حنيفة إلى أن من صده عذر عن الوصول إلى الحرم لا يجوز له أن ينحر هديه إلا بالحرم، على ما روي من أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ نحر في الحرم. قال من احتج له: وكيف يجوز أن ينحر في غير الحرم،