قد روي في كل واحد منها أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان محرما به، وقد اختاره جماعة من السلف وعمل به، ومنهم من ذهب إلى أن الإفراد أفضل، ثم التمتع؛ لأنه المذكور في القرآن، ثم القران؛ لأنه مقيس على التمتع، ومن حجة من ذهب إلى أن الإفراد أفضل وجوب الهدي على المتمتع والقارن، قالوا: وإنما وجب عليهما للنقص في عملهما، فما لا نقص فيه أفضل، وقال من ذهب إلى أن القران والتمتع أفضل: ليس الهدي فيها جبرا لنقص، وإنما هو زيادة فضل بدليل جواز الأكل منه، ولو كان لجبر نقص لم يؤكل منه كما لا يؤكل من الفدية، قال بذلك من ذهب إلى أنه لا يؤكل من هدي الفساد والفوات، ولا من كل هدي يساق لشيء نقص من أمر الحج، والأصح من جهة الإسناد أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان قارنا؛ لأنه قد جاء عنه أنه قال لعلي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لما قدم عليه من اليمن:«بماذا أهللت؟ . قال: قلت: لبيك بإهلال كإهلال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، قال: فإني قد سقت الهدي وقرنت» . وهو - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان أعلم بأمره وبما كان [به] محرما من غيره، وعلى أنه كان قارنا يمكن أن يصحح الآثار كلها ويجمع بينها بما ينفي الاختلاف والتعارض عنها، وذلك على وجهين: أحدهما: أنه يحتمل أن يكون أحرم حين صلى الركعتين في المسجد بعمرة مفردة، فلما استوت به راحلته في فناء المسجد أهل بحجة مفردة أضافها إلى العمرة المتقدمة، فصار بذلك قارنا، فلما أشرف على البيداء وهو قارن، قال: لبيك بعمرة وحجة معا، قال من حضره في المسجد حين أهل بعمرة وغاب عنه فيما بعد ذلك: إنه تمتع. وقال من حضره حين استوت به راحلته وغاب عنه في المسجد وحين أشرف على البيداء: إنه أفرد الحج، وقال من حضر الأمرين جميعا أو من حضره حين أطل