أحدهما عنها، فأنكر الولد وادعاه الآخر الذي لم يعزل عنها أن يكون الحكم في ذلك بمنزلته إذا كانا جميعا يعزلان أو ينزلان، والاستحسان كما قال: أن يلحق الولد بالذي ادعاه وأقر أنه كان ينزل، ويبرأ منه الذي [كان] أنكره وادعى أنه كان يعزل؛ لأن الولد يكون مع الإنزال غالبا، ولا يكون مع العزل إلا نادرا، فيغلب على الظن أن الولد إنما هو للذي ادعاه، وكان ينزل لا للذي أنكره وهو يعزل، والحكم بغلبة الظن أصل في الأحكام، وله في هذا الحكم تأثير، فوجب أن يصار إليه استحسانا كما قال أصبغ: ومن الاستحسان مراعاة الخلاف، وهو أصل في المذهب، من ذلك قولهم إن الماء اليسير إذا حلت فيه النجاسة اليسيرة، ولم تغير أحد أوصافه إنه لا يتوضأ به ويتيمم ويتركه، فإن توضأ به، وصلى لم يعد إلا في الوقت مراعاة لقول من رآه طاهرا، ويبيح الوضوء به ابتداء، وكان القياس على أصل قولهم أن يعيد أبدا إذا لم يتوضأ إلا بما يصح له تركه إلى التيمم؟ ومن ذلك قولهم في النكاح الفاسد الذي يجب فسخه، ولم يتفق على فساده إنه يفسخ بطلاق، وإنه يكون فيه الميراث، ويلزمه فيه الطلاق، وهذا المعنى أكثر من أن يحصى، وأشهر من أن يجهل أو يخفى.
وأما العدول عن مقتضى القياس في موضع من المواضع استحسانا لمعنى لا تأثير له في الحكم، فهو مما لا يجوز بإجماع؛ لأنه من الحكم بالهوى المحرم بنص التنزيل، قال عز وجل:{يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[ص: ٢٦] الآية.
والحمد لله رب العالمين كثيرا كما هو أهله، والصلاة الكاملة على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.