قال محمد بن رشد: المروي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه فرض الجزية على أهل الذمة أربعة دنانير على أهل الذهب، وأربعين درهما على أهل الورق، وذلك أرزاق المسلمين، وضيافة ثلاثة أيام.
والذي كان يفرض عليهم في الأرزاق على ما حكى ابن وهب نحو قفيز قمح وثلاثة أثمان زيت في كل شهر، وشيء من عسل وكسوة لم يحد ذلك، فإرادته أنه لا يزاد عليهم فيما فرضه عليهم في الأرزاق مع الذهب أو الورق كما لا يزاد عليهم في الذهب ولا في الورق، والله أعلم، ولا اختلاف أعلمه في أنه لا يزاد عليهم على ما فرضه عمر، وإن أيسروا ولا ينقصونهم منه ما كان فيهم محتمل لذلك، فإن لم يكن فيهم محتمل لحمل المفروض عليهم في الأرزاق مع الذهب والورق لم يكن عليهم إلا الذهب أو الورق، واختلفوا إن ضعفوا عن حمل الأربعة دنانير أو الأربعين درهما، فقيل: إنه يسقط عنهم الجميع، وهو الظاهر من مذهب ابن القاسم، وقيل: إنهم يلزمون من ذلك بقدر احتمالهم ولا حد في ذلك، قاله القاضي أبو الحسن، وقيل: إن حد أقل الجزية دينار أو عشرة دراهم، وهذا في أهل العنوة الذين غلبوا على بلادهم وأقروا فيها لعمارة الأرض وفيمن استأمن على أن يكون من أهل ذمة المسلمين، وفيمن صولح على أداء الجزية مجملا دون تفسير، فإن صولحوا على أقل من ذلك أو أكثر مضى ذلك، ولزم الصلح على ما وقع عليه من قليل الجزية وكثيرها، هذا قول ابن حبيب وغيره: إن الجزية الصلحية لا حد لها في عدد ولا توقيت، وإنما هي على ما صالحوا عليه من قليل أو كثير على أن يدخلوا إلى بلاد المسلمين أو يقروا في بلادهم على دينهم إذا كانوا بحيث تجري عليهم أحكام المسلمين، وتؤخذ الجزية منهم عن يد وهم صاغرون، وهو كلام فيه نظر، والصحيح أنه لا حد لأقلها يلزم أهل