في أرضه خلي سبيلهما، ولم يكن عليهما شيء، وكانا كما غنم المسلمون من ذلك مما كان العدو قد سبوه وأحرزوه، فهذه الجارية في مسألتك حرة على كل حال متى ما علم بذلك لا يتبع بشيء لا بثمن ولا بقيمة، ويرجع السيد على العلج بقيمة الجارية، بمنزلة عبد اشترى نفسه من سيده بجارية، أو مكاتب قاطع سيده بجارية فاستحقت فسيده يرجع عليه بقيمتها قيمة الجارية، فكذلك الأسير، وليس الأسير الذي يسبى فيما كان من الأحرار بمنزلة الذي يدخل بأمان، فإذا دخل بأمان وهم معه فهم له مال من ماله لا يعرض لهم فيه ولا يحال بينه وبين بيع ولا وطء، فإن اشتراهم أحد فهم أحرار لا يسترقون، ويتبعهم المشتري بالأثمان بمنزلة ما اشترى منهم بدار الحرب ويخرج بهم سواء.
قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة أن الأسير الذي صار لرجل من المسلمين فدى نفسه من سيده بوصيفة له ببلد الحرب على أن يستخرجها ويدفعها إليه، فتستحق حرة إذا استخرجها ودفعها إليه، ولهذا قال: إن السيد يرجع عليه بقيمتها كالعبد يشتري نفسه من سيده بجارية يريد موصوفة، فتستحق أن السيد يرجع عليه بقيمتها، والوجه في ذلك أنها لم تكن عنده يوم افتدى بها نفسه حكم لها بحكم الموصوفة، ولو كانت عنده يوم فدى بها نفسه بأن تكون كانت سبيت معه، فلم تنزع منه حتى بيعت معه من هذا الرجل، فأخذها منه وسرحها لم يكن له عليه رجوع بقيمتها على مذهبه في المدونة فيمن أعتق عبده على جارية بيده فاستحقت بحرية منه أو ملك أنه لا رجوع له عليه بقيمتها؛ لأنه كأنه إنما انتزعها منه وأعتقه، وقوله: إن الجارية حرة بكون الأسير ملكا للمسلمين بالسباء إذا كان قد أحرزها في بلاد الحرب خلاف قول ربيعة في المدونة في الذي اشترى عبدا من الفيء، فدل سيده على ماله في أرض العدو أن ذلك المال مال حرب ليس للسيد، ولا للعبد فيه شيء ولا للجيش، إذا كان إنما دله عليه في جيش آخر، وخلاف مذهب ابن القاسم