سماع عيسى بعد هذا، والاختلاف في هذا جارٍ على الاختلاف في لحوق يمين التهمة، ولو حقق الدعوى عليه في أنها أسقطت عنه ما كان بيدها من الشرط فيهما وفي غيرهما للزمتها اليمين قولا واحدا، وقال فيها: إنها إن أذنت له فنكح أو تسرر فندمت وأرادت أن تغير، فليس ذلك لها بعد إذنها حتى يفارق أو يبيع، فيرجع الأمر إليها، فساوى بين المرأة والجارية في أنه ليس لها أن تمنعه من التمادي على وطئها حتى يبيع الجارية أو يطلق المرأة، وفرق بينهما ابن حبيب فقال: إن لها أن ترجع عن الإذن والرضى في الجارية متى ما شاءت؛ لأن التسرر أمر مؤتنف، قال: وقد كان القياس أن لا يطأ إلا بإذن مؤتنف عند كل وطأة، ولكن الاستحسان أن يجزيه إذن واحد حتى تحدث منعا؛ لأنها على الإذن ما سكتت، وحكى الفضل عن ابن القاسم مثل ذلك أيضا.
وأما إن أرادت لما أذنت له فتزوج أو تسرر أن ترجع فتأخذ بشرطها وتقضي في نفسها، لم يكن ذلك لها باتفاق في هذه المسألة؛ لقوله فيها: إلا بإذنك؛ لأنه إن استثنى إذنها فلم يوجب لها التمليك إلا إذا تزوج عليها أو تسرر بغير إذنها، فإذا تزوج عليها أو تسرر بإذنها لم يجب لها تمليك ولا كان لها أن تقضي بشيء، وقد حكى ابن حبيب أن قائلا يقول: إن لها أن تقضي وإن نكح بإذنها؛ لأنها أذنت قبل أن يصير القضاء بيدها، وهو غلط ظاهر، إنما الاختلاف إذا قال لها: إن نكحت عليك فأمرك بيدك، ولم يقل: إلا بإذنك، فأذنت له فنكح، فلما نكح أرادت أن تقضي في نفسها وتأخذ بشرطها، ففي سماع أصبغ عن أشهب أن ذلك لها، وهو قول سحنون في المجموعة، واحتج بالذي يسلم شفعته قبل الشراء، والمشهور أن ذلك ليس لها وهو قول أصبغ في سماعه وروايته عنه أيضا فيه، وقول مالك في رسم "اغتسل" من هذا السماع، ومثله في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب التخيير والتمليك، وقد نص أشهب على الفرق بين أن يقول: إلا بإذنك، أو لا يقول ذلك، في كتاب ابن المواز، والمعنى في الفرق بينهما بيّن لا يفتقر إلى وجود النص فيه ولا يفترق ذلك عند مالك، فسواء على مذهبه