للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يشهد على رؤيتها ثم يزوجها، ولقد استشارني الحسن بن يزيد في جارية كان يليها من آل أبي طالب، فأشرت عليه أن يرسل إليها من يرضى فيشهد عليها، فأرسل إليها رجلين فشهدا عليها ثم زوجها، قال عيسى: قال لي ابن القاسم: قال مالك: ولم يعرفها الشهيدان.

قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، إنه إذا لم يوجد من يعرفها فلا بد أن يشهد على رؤيتها من لا يحتشم منه، فتسفر لهم عن وجهها ليثبتوا عينها كيما إن أنكرت بعد أن شهدوا عليها أنها هي التي أشهدتهم فيلزمها النكاح، وأما إن وجد من العدول من يعرفها فلا ينبغي لمن لا يعرفها أن يشهد عليها، فإن شهد عليها من لا يعرفها، وجد من يعرفها أو لم يوجد، فلا يصح لهم أن يشهدوا على شهادتهم أن فلانة بنت فلان أشهدتهم على الرضى بالنكاح؛ لاحتمال أن لم تكن هي التي أشهدتهم فيموتوا ويشهد على شهادتهم، فيلزم نكاحا لم ترض به ولا أشهدت به على نفسها؛ لأن إشهادهم على شهادتهم بذلك كشهادتهم به عليها عند حاكم، والحقوق بخلاف ذلك، قال مالك: لا أرى أن يشهد الرجل على من لا يعرف، ومثله لأصبغ في الخمسة، قال: وأما الحقوق من البيوع والوكالات والهبات ونحو ذلك، فلا يشهد عليها في شيء من ذلك إلا من يعرفها بعيبها واسمها ونسبها، والفرق بين النكاح وما سوى ذلك من الحقوق أنه يخشى وإن لم يشهدوا على شهادتهم في الحقوق أن يموتوا فيشهد على خطوطهم، فتلزم باطلا لم تشهد به على نفسها.

وعلى ما جرى العمل به عندنا من أنه لا يقضى بالشهادة على خط الشاهد إلا في الأحباس وما جرى مجراها، يستوي النكاح في ذلك وما سواه من الحقوق، ولا يكون على الرجل حرج في أن يضع شهادته على من لا يعرف في الحقوق كما يضعها عليه في النكاح إذا لم يشهد على شهادته بذلك، وقد استجاز ذلك العلماء قديما وأن يقيدا في عقد إشهاد الوثيقة معرفة العين والاسم لما في ذلك من تحصين الحقوق، وأما عند أداء الشهادة فلا يحل للشاهد أن يشهد بإجماع إلا على من يثبت عينه ويعرف أنه هو الذي أشهد دون شك في ذلك ولا ارتياب.

<<  <  ج: ص:  >  >>