عليها الضيعة في هذا السن، ولا تدعو الضرورة إلى تزويجها فيه، فهذا وجه تفرقة مالك بين الصغيرة التي لا يوطأ مثلها والبالغة التي يوطأ مثلها، وسأل: هل كانت راضية؟ إذ لا يجوز أحد من أهل العلم للولي أن يزوج يتيمة قبل البلوغ وهي كارهة، إذا كانت قد بلغت من السن ما يعرف به ما يميل به نفسها إليه، مما فيه صلاحها، وما تنفر عنه مما فيه ضرر عليها، ولو كانت كارهة لما جاز النكاح عليها بحال.
وقد اختلف إذا زوجت اليتيمة قبل البلوغ من غير حاجة تدعو إلى ذلك في المذهب اختلافا كثيرا، فقيل: إن النكاح يفسخ قبل الدخول وبعده، وإن طال وولدت الأولاد، ورضيت بزوجها، وإلى هذا ذهب ابن حبيب في الواضحة وعزاه إلى مالك وأصحابه، وقيل: يفسخ قبل الدخول وبعده، إلا أن يطول بعد الدخول فلا يفسخ، وهو قول ابن القاسم في رسم إن خرجت، من سماع عيسى، وفي سماع زونان وفي كتاب ابن المواز، وقيل: إنه يفسخ بعد الدخول إلا أن يطول وتلد مع ذلك الأولاد، وهو قول أصبغ، ولم ير الولد الواحد والسنتين في ذلك طولا، وقيل: إن الخيار لها إذا بلغت، فلا يفسخ إذا لم يعثر عليه حتى بلغت فرضيت، أو دخل بها بعد البلوغ وهي عالمة أن لها الخيار، ويفسخ إذا عثر عليه قبل البلوغ، وكذلك إذا بلغت فأنكرت، وإن كان ذلك بعد الدخول، ما لم يطل الأمر بعده، وهو الذي يأتي على ما في رسم الطلاق الثاني من سماع أشهب.
وقيل: إنه يكره النكاح، فإذا وقع لم يفسخ، وهو نص قول مالك في رسم البز بعد هذا، وظاهره في سماع أشهب أيضا، لأنه وقف في التفرقة بينهما ولم يفرق بين قبل الدخول وبعده، وقيل: إنه إن زوجت وقد شارفت الحيض وأنفست، فلا يفسخ النكاح، وهو قول أصبغ في سماعه، خلاف ما له في الواضحة والموازية. فمن قال: إنه يفسخ أبدا، رآه عقدا وقع في غير موضعه ففسد لعقده، ومن قال: إن الخيار لها إذا بلغت، رأى الحق لها في ذلك؛ إذ عقد عليها في حال لا يعرف فيه رشدها، فجعل العقد موقوفا على خيارها إذ لم ينعقد النكاح على خيار، وإنما كان الخيار أمرا أوجبه الحكم،