يريد بالدعوة دعوة الوليمة في العرس لأنها المشار إليها إذ هي المتقدمة المذكورة في الحديث فلا رخصة لأحد في التخلف عنها إلا من عذر، ورأى أن الزحام عذر رأى له في التخلف بسببه سعة لأن تقحمه إياه مؤذ له ومضر به، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ضرر ولا ضرار» ، فهو مخصص لعموم أمره بالإتيان إلى الوليمة، وكذلك يخصص بالشرع من عموم أمره بالإتيان إليها في حال يكون فيها من اللهو ما لا يجوز حضوره في غيرها خلافا لأبي حنيفة في قوله: إنه لا يسعه التخلف عنها لذلك؛ إذ قد أمر بالإتيان إليها أمرا عاما لم يقع فيه ثنيا، وقوله: أرى أن يجيب أكل أو لم يأكل، يريد أن الإجابة تلزمه، كان صائما أو مفطرا، فإن كان صائما صلى كما جاء في الحديث؛ أي دعا، وإن كان مفطرا فليس عليه بواجب أن يأكل، وإنما يستحب له ذلك ويندب إليه، لأن أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالأكل فيما روي عنه من قوله:«إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان مفطرا فليأكل وإن كان صائما فليصل» محمول على الندب عند مالك، بدليل قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في حديث آخر:«إذا دعي أحدكم فليجب فإن شاء أكل وإن شاء ترك» ، وأهل الظاهر يوجبون عليه الأكل بظاهر الحديث الأول، وما ذهب إليه مالك من استعمال الحديثين أولى من اطراح أحدهما.
وأما ما سوى وليمة العرس من الدعوات فمنها ما تستحب الإجابة إليه، ومنها ما يكره، ومنها ما يحرم على ما قد مضى القول فيه في سماع أشهب من كتاب الصيام خلافا لأهل الظاهر في إيجابهم إجابة الداعي جميع الدعوات بظاهر قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله» ، وسيأتي في رسم الطلاق الثالث من سماع أشهب القول في وجه تفرقة مالك بين الوليمة والسابع، وبالله التوفيق.