يقام إليه ولا يتكبر على القائمين إليه، فهذا يكره للتشبه بفعل الجبابرة ولما يخشى أن يدخله من تغير نفس المقوم إليه، وأما الوجه الذي يكون القيام فيه جائزا فهو أن يقوم تجلة وإكبارا لمن لا يريد ذلك ولا يشبه حاله حال الجبابرة ويؤمن أن تتغير نفس المقوم إليه لذلك، وهذه صفة معدومة إلا فيمن كان بالنبوة معصوما، لأنه إذا تغيرت نفس عمر بالدابة التي ركب عليها، فمن سواه بذلك أحرى، وأما الوجه الذي يكون فيه القيام حسنا فهو أن يقوم الرجل إلى القادم عليه من سفر فرحا بقدومه ليسلم عليه، أو إلى القادم عليه مسرورا بنعمة أولاها الله إياه ليهنئه بها، أو إلى القادم عليه المصاب بمصيبة ليعزيه بمصابه وما أشبه ذلك، فعلى هذا يتخرج ما ورد في هذا الباب من الآثار ولا يتعارض شيء منها، من ذلك أنه قال:«من أحب أن يمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار ويروى: من أحب أن يستجم» ، ومعناه معنى الأول، وقد رواه بعض الناس:«من أحب أن يستخم له الناس قياما» ، وقال: معناه أن يطول قيامهم له حتى تتغير روائحهم من طول القيام كما يفعل الجبابرة من طول قيام الناس على رؤوسهم، وليس ذلك بصحيح، لأن معاوية بن أبي سفيان راوي الحديث عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعلم بمعناه، روي «عن أبي مجلز قال: دخل معاوية بيتا فيه عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عامر، فقام ابن عامر وثبت ابن الزبير وكان أرزنهما فقال معاوية: اجلس يا ابن عامر، فإني سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: من أحب أن يمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار» وقام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعكرمة بن أبي جهل عند قدومه عليه من اليمن فرحا بقدومه عليه مسلما، ورمى عليه رداء فسلم عليه وبايعه، وقام طلحة بن عبد الله بحضرته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لكعب بن مالك ليهنئه بتوبة الله عليه، فلم ينكر ذلك عليه ولا قام من مجلس النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أحد سواه إليه، فكان كعب يقول: لا أنساها لطلحة، وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكره أن يقام إليه فلا يقوم إليه من علم بكراهيته لذلك، روي «عن أنس أنه قال: لم يكن شخص أحب إليهم من