قال محمد بن رشد: كراهيته للرجل أن يهب ابنته لمن لا حرمة بينه وبينها، صحيحة بينة في المعنى، وقد ذهب أهل النظر إلى أن ما في كتاب النكاح الأول من المدونة في مسألة رجال من الموالي يكفلون صبيانا من العرب، يدل على أنه لا كراهية في ذلك، خلاف ما ها هنا وليس ذلك بصحيح لأنه لم يتكلم هناك على ما تكلم عليه ها هنا من جواز الفعل ابتداء، وإنما تكلم في إنكاحها إذا وقعت الحضانة، فقال: أرى تزويجها جائزا عليها، يريد بغير رضاها، والوجه في ذلك أنه أنزله بالحضانة لها في حياة أبيها منزلة الوكيل له على إنكاحها، فلا يحتاج في ذلك إلى رضاها، وذلك خلاف قوله ها هنا؛ إذ لم ير إنكاحها إليه بالهبة والحضانة، إلا أن يكون جعل ذلك إليه نصا، وحكى ابن حبيب مسألة مالك في المدونة في صبيان الأعراب على خلاف ما وقعت في المدونة، فقال فيها: وتكون فيهم الجارية وقد مات أبوها وغاب أهلها، فإن الذي كفلها ورباها أولى بعقد نكاحها لما قد ولي منها، يريد أنه أولى بعقد نكاحها من ولاتها، فأنزله منزلة الوصي بالحضانة، وذلك نحو ما في كتاب القسمة من المدونة أن الرجل تجوز مقاسمته على اللقيط الذي هو في حجره، والمشهور المعلوم في المذهب أن الولي أحق بالإنكاح من الحاضن، وقد جعل ابن العطار مسألة المدونة أصلا بنى عليه فقال: ولا يجوز للكافل أن يزوج ذات الأب وإن كفلها ورباها، إذا كان أبوها بالحضرة إلا أن يكون غائبا فيزوجها الكافل بغير رضاها على نحو ما وقع في المدونة من صبيان الأعراب الذين يدفعونهم إلى من يكفلهم، قال: وكذلك حال أهل البدو عندنا مع أهل الحضر، قال: والكافل والمربي والحاضن في غير ذات الأب كالولي، يريد أن له أن يزوجها برضاها، وذلك من قوله صحيح مثل قوله في آخر هذه الرواية، وقوله: وإن أراد أبوها أن يأخذها منه لم أر ذلك له إلا على وجه إساءة إليها وضرر صحيح، والوجه في ذلك أن هبته إياها له إنما هي هبة حضانته التي له، فإذا وهبها لم يكن له أن يرجع فيها، ووجه آخر أنه إذا وهبه إياها فقد ملكه الانتفاع بها بنفقته عليها فأشبه عقدة الإجارة عليها، وذلك إذا لم يكن لها أم ولا من هو أحق بحضانتها منه، فإن كان لها أم هي