يطلقها فأبى، وأبوا إلا ذلك، فتركهم وأضرب عنهم حتى تزوج امرأة أخرى فصارت له امرأتان، ثم رجع إليهم فخطبها فقالت: لا أتزوجك إلا أن تطلق عني امرأتك، تعني الأولى التي كانت سألته طلاقها، فقال لها: أنا أفعل، فلما قعدوا للإملاك قال: اشهدوا أن امرأتي طالق البتة، إذا ملكت عقدة النكاح هذه، وهو ينوي بذلك المرأة التي نكح أخيرا، ولا يظنون هم إلا الأولى التي كانوا سألوه طلاقها، فلما بلغ القوم أنه لم يطلق عنهم التي كانوا سألوه، وأنه إنما طلق أخرى تزوجها، ناكروه [ذاك] فقال: أما النكاح فلا أرى أن يفسخ ولا أرى ما أراد إلا على ما أراد، فأرى عليه اليمين بالله الذي لا إله إلا هو ما طلق إلا هذه الآخرة، الناس ينوون في مثل هذا، وإنما مثل هذا رجل كانت له امرأة ليس له غيرها، قد علم ذلك قوم، ثم تزوج أخرى لم يعلموا بها فسألوه طلاق امرأته ولا يعلمون له إلا الأولى فقال: امرأتي طالق البتة، فهو ما أراد.
قال محمد بن رشد: جوابه في هذه المسألة على القول بأن اليمين على نية الحالف لا على نية المحلوف له، وهو قول مالك في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم من كتاب النذور، وفي رسم البز من سماع ابن القاسم أيضا من كتاب الأيمان بالطلاق، وهو قول ابن وهب في سماع عيسى وزونان من كتاب الأيمان بالطلاق، وقد اختلف في ذلك اختلافا كثيرا حسبما مضى تحصيله في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم من كتاب النذور وإيجابه اليمين عليه أنه ما طلق إلا هذه على القول في لحوق يمين التهمة، وقد اختلف في ذلك، فإن نكل عن اليمين طلقت عليه دون رد يمين، وقيل: بعد رد اليمين، وأما الأخرى التي زعم أنه أرادها فتطلق عليه على كل حال بإقراره أنه أرادها.