قد أشهد بذلك في السر ولم يعلمهم بأنه منه إليهم هدية، ثم امتهنوا ذلك على غير علم، فليس عليهم في امتهانهم شيء، وهو يأخذ ما وجد بعينيه، وإن ضاع منها شيء لزمهم ذلك، إلا أن تكون لهم بينة على الذهاب. وقال أبو زيد بن أبي الغمر مثله.
قال محمد بن رشد: قول سحنون في هذه المسألة: ومن سنة أهل البلد وشأنهم، يريد من عادة أهل البلد وما استمر عليه فعلهم. وقوله: إن كان قد أشهد بذلك في السر، ولم يعلمهم بأنه منه إليهم هدية، كلام فيه إشكال، كيف يصح أن يعلمهم بأنه منهم هدية وهو لم يرد به الهدية؟ فمعنى قوله: إن كان أشهد بذلك في السر ولم يقل لهم في العلانية إنه منه إليهم هدية نفعه الاستشهاد، وكان له أن يأخذ متاعه، ولم يكن عليهم مما امتهنوا منه على غير علم شيء، يريد إن كانوا امتهنوا ذلك امتهانا لا تمتهن العواري. وأما إن كانوا امتهنوا ذلك كما تمتهن العواري فلا شيء عليهم امتهنوا ذلك على علم أو على غير علم. وأما قوله: وإن ضاع منها شيء لزمهم إلا أن تكون له بينة على الذهاب، فوجهه أنه أعمل إشهاده في السر، فحكم لها بحكم العارية في الضمان كما حكم لها بحكمها في الاسترجاع. وقول ابن القاسم في رسم النكاح من سماع أصبغ، إنه لا ضمان عليها إذا لم تقبل ذلك على وجه العارية أصح في القياس والنظر، إذ ليس له أن يلزمهم ضمان ما لم يلتزموا ضمانه وحبسه أن ينفعه الإشهاد في استرجاع متاعه. ولو قال لهم في العلانية إنه منه إليهم هدية، لم ينفعه الإشهاد في السر، بدليل قوله: ولم يعلمهم بأنه منه إليهم هدية. وجوابه في هذه المسألة على القول بأنه لا يقضى بالعرف في الهدية. وقد مضى اختلاف قول مالك في ذلك، والقول فيه في رسم مساجد القبائل من سماع ابن القاسم. وأما على القول بأنه يقضى فلا ينتفع بالإشهاد