فتقول هي: قد فارقتك إن شاء الله. فقال: فقد فارقها في رأيي. فقال له: يا أبا عبد الله، لأن تقطع يدي من جسدي أحب إلي من أن أفارقها، وما أردت بذلك طلاقا، وما كان الذي كان مني ومنها إلا لعبا لا نريد به طلاقا، فقال: إن كان الله يعلم أنك لم ترد بقولك ذلك طلاقا، وأنه كان منك على وجه اللعب لا تريد به طلاقا، فلا أرى عليك شيئا.
وإن كنت إنما أردت به طلاقا، وإن كنت لاعبا، فهو الطلاق. ثم قال له: أتقول امرأتك مثل مقالتك أنها لم ترد طلاقا؟ قال: نعم. وقد أقمنا بعد هذه المقالة، أربعة أشهر أصيبها، لا نرى أن الذي وقعنا فيه شيئا. فقال: قال لها: أمرك بيدك إن شاء الله، لا يريد بذلك طلاقا على وجه اللعب والمداعبة، فقالت: قد فارقتك إن شاء الله لاعبين لا يريدان بذلك طلاقا، لا أرى عليك شيئا إلا يمينك بالله الذي لا إله إلا هو، ما أردت بذلك طلاقا، وما كنت إلا لاعبا، فلما رجع من الغد رجع إليه الأعرابي فقال: ما أرى عليك شيئا إلا أن تحلف بالله ما أردت بذلك طلاقا.
قال محمد بن رشد: قال مالك في هذه المسألة أولا فارقها في رأيي؛ لأنه إفصاح منه بالتمليك، وإفصاح منها بالفراق، لا تأثير للاستثناء بمشيئة الله في ذلك لواحد منهما، كما لا تأثير للاستثناء بمشيئته تعالى في مجرد الطلاق، فلما أخبره أنهما لم يريدا بذلك الطلاق، وأنه إنما كان ذلك منها على وجه اللعب، سأله هل تقر له امرأته بذلك فيدين، أو لا تقر له بذلك، وتدعي الطلاق بما ظهر من قوله وقولها فلا يصدق؟ فلما أخبره أنها تقول مثل مقالته، قال له: لا أرى عليك شيئا، وذلك صحيح على أصولهم فيمن ادعى نية مخالفة لظاهر قوله، وأتى مستفتيا، أنه ينوى فيما ادعاه، ولا يمين عليه. وقوله في آخر المسألة: لا أرى عليك إلا اليمين، معناه إن طالبه أحد باليمين، وقوله: إن كنت أردت بذلك طلاقا، وإن كنت لاعبا فهو الطلاق، صحيح على قولهم في أن الطلاق