وإنما يستدل على أنك قد شئت أن تأتيك إذا دعوتها تأتيك؛ لأنك قد شئت بقلبك أن تأتيك، ليس يطلق الرجل بقلبه، ولا ينكح الرجل بقلبه. وإنما الدليل على مشيئتك إذا قلت ذلك لها؛ أرأيت لو أنها أولا قالت له: آتيك، فقال لها: لا، وهو إن يشأ أن تأتيه بقلبه، فجاء، فجاءته ولم تنظر إلى قوله، أكان ذلك يخرجه من يمينه؟ لا ما ينفعه ذلك، ولا يطلق الرجل بقلبه، ولا يستدل على مشيئته إلا بإذنه أن يدعوها، فإذا دعاها فلا شيء عليه، وإن كان لا يشاء أن تأتيه.
قال مالك للذي قال لامرأته: أنت علي حرام إن لم تقومي، فلا ترجعي إلي حتى أشاء ذلك، فقامت ثم استأذنته غير مرة أن ترجع، فيقول: لا، ثم قال تعالي إن شئت، وهو لا يشاء بقلبه، أو تأتيه، فقال لها بعد أن قامت، مكانك لا تأتي، ثم خرج ودخل، ثم شاء أن تأتيه بقلبه، ثم جاءته قبل أن يدعوها وقبل أن يأذن لها، فقال له: من أين علمت حين دخلت أنك قد شئت بقلبك أن تأتيك؟ أرى إن كنت نويت حتى تشاء ذلك بقلبك، تنوي مشيئتك، لا ينوي لسانك في شيء من ذلك أن ليس شيء، وأنه ليأخذ بقلبي في قولك لها أولا: تعالي إن شئت، ثم قلت لها: لا تأتي، أنه ليأخذ بقلبي أنه إذن وما أدري.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن يمين الحالف على امرأته لا ترجع إلا أن يشاء، محمولة على أنه أراد ألا ترجع إلا أن يأذن لها في الرجوع، إذ لا يستدل على ما في قلبه إلا بقوله، فإذا أذن لها في الرجوع فرجعت، وإن كان لا يشاء رجوعها بقلبه، وإذا رجعت بغير أن يأذن لها فهو حانث، وإن كان قد شاء رجوعها بقلبه إلا أن ينوي في ذلك كله مشيئته بقلبه، دون الإذن لها بلسانه فتكون له نيته، ولا يحنث إن جاءته دون أن يأذن لها إذا كان قد شاء ذلك بقلبه، ويحنث إن جاءت وقد أذن لها إذا كان لا يشاء ذلك بقلبه، هذا معنى ما ذهب إليه في الرواية، وتوقف إذا أذن لها، ثم رجع