هي أيضا شاهدين أنها صالحته على عشرة دنانير، وزعم الشهود الأربعة أنهم حضروا صلحهما في يوم واحد، وساعة واحدة، وكلمة واحدة، فقال شاهدان: لفظ لفظة، فصالح فيها على العبد ورضيت، وقال آخران: بل تلك اللفظة التي لفظها قد حضرناها معكم. إنما صالحها على عشرة دنانير.
قال أصبغ: هذه بينة قد أكذبت بعضها بعضا اجتمعت على أن اللفظة كانت واحدة، واختلفتا فيما وقع به الصلح، فأرى الشهادة كلها مطروحة؛ لأن البينة متكافئة ومكذبة بعضها بعضا، كأنها لم تشهد أصلا، فإن شاء الزوج أخذ العشرة التي أقرت بها المرأة فذلك، وإلا فقد تم الصلح ولا شيء له.
قلت: فإن ادعى الزوج حين شهدت البينتان، أنه صالحها بالأمرين جميعا: الدنانير، والعبد، قال: ذلك سواء؛ لأن البينة قد أكذبت بعضها بعضا فهي مطروحة.
قال محمد بن رشد: قول أصبغ هذا صحيح على مذهب ابن القاسم؛ لأنه لم يختلف قوله في أن الشهود إذا اختلفوا هكذا في نوعين، وتكافأت البينتان أنهما تسقطان، وإنما اختلف قوله إذا شهدت إحدى البينتين بأكثر مما شهدت به البينة الأخرى، فمرة قال: إنه يؤخذ بالبينة التي زادت، وهو المشهور من قوله، ومرة قال: إنهما إذا تكافأتا سقطتا، كاختلافهما في النوعين. والقولان في المدونة.
وقد فرق بين أن تكون الزيادة في المعنى دون اللفظ، مثل أن تشهد إحدى البينتين بمائة، والثانية بخمسين، وبين أن تكون الزيادة في اللفظ والمعنى، مثل أن تشهد إحدى البينتين بمائة وخمسين والثانية بمائة، وهي تفريقة حسنة، لها وجه ظاهر.
وقد روى المدنيون عن مالك، أن الشهود إذا اختلفوا في النوعين، قضى بشهادتهما جميعا، ولم يجعل ذلك تكاذبا، فعلى قوله: إن ادعى الزوج العبد والدنانير، قضى له بهما جميعا، وإن ادعى العبد، قضى له به بشهادة من أحقه له، وبالله التوفيق.