وسئل سحنون عن معركة تكون بين المسلمين في أفنيتهم فيقع القتل بينهم، فما تقول فيمن قتل في المعركة، ولا يعرف مثله إلا بمن حضرهم وليس من أهل العدل، ما يفعل في امرأته، وفي ماله؟ فقال: إذا قامت البينة العدلة أنه شهد المعركة، فإن امرأته تعتد في ذلك اليوم الذي كان فيه المعترك، ويقسم ماله، وهو عندي بمنزلة الميت، وإذا كانوا إنما رأوه خارجا مع العسكر، ولم يروه في المعترك في القتال، إلا أنهم نظروا إليه خارجا في جملة الناس، فإن سبيله سبيل المفقود، يضرب لامرأته أجل أربع سنين وأربعة أشهر وعشرا، ثم تتزوج، ويوقف ماله إلى الأمد الذي يعيش مثله إليه.
قال محمد بن رشد: وجه تفرقة مالك بين المفقود في قتال العدو، والمفقود في قتال المسلمين، هو أن يخشى إذا فقد في قتال العدو، أن يكون قد أسر ولم يقتل، فحمل أمره على أنه مأسور، حتى يعلم أنه مقتول، ولم يفرق بين أن يكون قتال العدو في بلاد الحرب. أو في بلاد المسلمين، إذا كان يحتمل أن يخفى أسره إن أسر كالمفقود في بلاد الحرب. وأما المفقود في حروب المسلمين، فالأغلب على أمره إذا فقد فيها أنه مفقود، فحمله على ذلك إذا تلوم له واستجس له، فلم يوقع له خبر، فرأى أن يكون التلوم إذا كانت المعركة بعيدة في بلاده سنة، وظاهر قوله أنها تتزوج بعد السنة، فتكون العدة داخلة في السنة، خلاف قوله: إذا تلوم له أنها تعتد بعد التلوم. والصواب أن تكون العدة داخلة في السنة وفي التلوم. فإن كان التلوم أقل من أربعة أشهر وعشرا، اعتدت بقية الأربعة أشهر وعشرا؛ لأنه إذا تلوم له فلم يسمع له خبر، حمل أمره على أنه إنما قتل في المعركة، لا أنه مات بعد ذلك، بخلاف المفقود الذي تكون العدة فيه بعد انقضاء الأجل؛ إذ لا يعلم له وقت، يغلب على الظن أنه مات فيه، كالذي فقد في المعركة، وإنما هو إذا شهدت البينة أنه كان في المعترك. وأما إذا رئي خارجا في جملة العسكر، ولم ير في المعترك،