نكح امرأة وابتنى بها، تلوم له واستانوا به سنة، فإن ذهب عنه وإلا فرق بينهما. قيل له: أرأيت إن أصابه قبل الابتناء، أو أصابه من ذلك ما لا يخاف منه على امرأته عداه ولا أذاه؟ قال: إن أصابه قبل الابتناء، ضرب له أجل سنة ثم تخير امرأته عند انقضاء الأجل، فإن رضيت بالإقامة معه فذلك، وإن طلقت نفسها، لم يكن لها من الصداق شيء وجاز الفراق.
قلت: مما يعد ذلك الفراق؟ أطلقة بائنة؟ فقال: نعم.
قال محمد بن رشد: قوله: إن المجنون لا يفرق بينه وبين امرأته قبل البنا إلا من بعد ضرب الأجل، كالمدخول بها، يحمل على التفسير لما في سماع سحنون من كتاب النكاح، ولما في المدونة وإيجابه لها الخيار، وإن لم يخف عليها عداه ولا أذاه، هو مثل ما في رسم باع شاة من سماع عيسى من كتاب النكاح خلاف ما في سماع زونان منه لابن وهب وأشهب، وخلاف ما في المدونة لربيعة، وقوله: إنها لما طلقت نفسها قبل البناء، لم يكن لها من الصداق شيء؛ لأن الله إنما أوجب نصف الصداق على المطلق باختياره حيث يقول:{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ}[البقرة: ٢٣٧] الآية، وهو لم يختر الطلاق، وما كان منه فيه سبب يتهم فيه على اختياره، كالذي يعسر بالصداق فيطلق عليه قبل الدخول، فيتهم على أنه أخفى ماله لتطلق عليه، فلا يلزمه من الصداق شيء. وقد مضى هذا، والاختلاف فيه في سماع سحنون من كتاب النكاح. وقوله: إن الفراق في ذلك يعد طلقة بائنة، هو المعلوم في المذهب، إن كل طلاق يحكم به الإمام فهو بائن، إلا طلاق المولي، والمطلق عليه بعدم الإنفاق، وذهب أبو إسحاق التونسي إلى أن طلاق الإمام على المجنون والمجذوم والمبروص، إنما هي طلقة رجعية، وإن الموارثة بينهما قائمة ما دامت العدة لم تنقض، ولو صحوا من أدوائهم، لكانت لهم الرجعة. وقوله صحيح في المعنى، إلا أنه خلاف المعلوم الموجود في المذهب، وهو ينحو إلى