للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنده، وكان حسن الصوت، فلم يكن عمر ليقصد الالتذاذ بسماع صوته، وإنما استدعى رقة قلبه بسماع قراءته القرآن، وهذا لا بأس به إن صح من فاعله على هذا الوجه.

وقول مالك: إن من الأحاديث أحاديث قد سمعتها وأنا أتقيها، إنما اتقى أن يكون التحدث بما روي عن عمر بن الخطاب من هذا ذريعة لاستجازة القرآن بالألحان ابتغاء سماع الأصوات الحسان والالتذاذ بذلك حتى يقصد أن يقدم الرجل للإمامة لحسن صوته لا لما سوى ذلك مما يرغب في إمامته من أجله.

فقد روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «بادروا بالموت ستا» فذكرها أحدها بشر يتخذون القرآن مزامير يقدمون أحدهم ليغنيهم وإن كان أقلهم فقها، فالتحذير إنما وقع في الحديث لإيثارهم تقديم الحسن الصوت على الكثير الفقه، فلو كان رجلان مستويين في الفضل والفقه وأحدهما أحسن صوتا بالقراءة لما كان مكروها أن يقدم الأحسن صوتا بالقرآن؛ لأنها مزية زائدة محمودة خصه الله بها.

وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبي موسى الأشعري تغبيطا له بما وهبه الله من حسن الصوت: «لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود» . وأما ما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» ، فقيل معناه من لم يستغن به، أي من لم ير أنه به أفضل حالا من الغني بغناه، وقيل معناه من لم يحسن صوته بالقرآن استدعاء لرقة قلبه بذلك. وقد قيل لابن أبي مليكة أحد رواة الحديث فمن لم يكن له حلق يحسنه، قال يحسنه ما استطاع. والتأويل الأول أولى؛ لأن

<<  <  ج: ص:  >  >>