رجع إلى مخاصمته بعد أن قال له ذلك، فصالحه بدينارين ودفعهما إليه، فقال مالك: ينهي شهادته إلى السلطان ولا تطلب الدينارين ولا يأخذهما إن أعطاه إياهما، فتجوز شهادته عليه في الطلاق، وتطلق عليه امرأته إن كان معه شاهد غيره على قوله: لا أخاصمك وقد وكلتك إلى الله، أو يحلف إن لم يكن معه شاهد غيره وتكذيبه؛ لأنه إن طلب الدينارين وأراد الرجوع بهما عليه لسقوط دعواه عليه على المصالحة بقوله لا أخاصمك قد وكلتك إلى الله لم تجز شهادته عليه في الطلاق لجره بها إلى نفسه مالاً؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يجوز شهادة خصم ولا ظنين ولا جار إلى نفسه»
ونظير هذا آخر مسألة سحنون في نوازله من كتاب الأقضية، فقف على ذلك، وإجازته شهادته عليه في الطلاق إن لم يطلب الدينارين وقد كانت بينهما خصومة، يحتمل أن يكون إنما شهد بعد أن وقع الصلح وارتفعت العداوة وأن أمرهما إلى سلامة، على ما روى أشهب عنه في سماعه من كتاب الشهادات، وتحتمل أن تكون الخصومة إنما كانت في الشيء اليسير الذي لا يورث العداوة على ما ذهب إليه ابن كنانة، ولو كان المخاصم إنما شهد عليه بقوله لا أخاصمك قد وكلتك إلى الله قبل أن يصالحه مما كان يخاصمه فيه ويدعيه عليه لم تجز شهادته عليه في الطلاق؛ لأنه يدفع عن نفسه بهذه الشهادة مخاصمة له، ويسقط عنه دعواه قبله، والدفع عنه جر إليه، ولا تجوز شهادة جار إلى نفسه إلا أن يحضر جميع ما كان يخاصمه فيه ويدعيه قلبه ويطوع بدفعه إليه وهو من اليسير الذي لا يورث الحقد والعداوة، على ما ذهب إليه ابن كنانة، فتجوز شهادته، والله أعلم.