إن كانت لنفزي أو لغير نفزي، إلا أنه حلف أنها لبكير النفزي، فسأل عن بكير فإذا هو من مصمودة، وليس من نفزة، وحلف حين حلف وهو يظن أنه من نفزة والرمك له.
فقال: إنما استحلافهم إياه أنها ليست للجند ولم يستحلفوه أنها للنفزي، فليس عليه في يمينه شيء، وذلك أني سمعت مالكا وسئل: عن رجل بعث إلى عبد له في خرج كان عنده، فقال للرسول: أخذه أخوه، فأتى سيده مغضبا، فقال: أخفيت عني الخرج، فقال العبد: امرأته طالق إن كان لم يأتني أخوك فأخذه مني، ثم فكر فإذا أخوه لم يأته، وإنما جاء رسول، فقال: ليس عليه شيء؛ لأنه لم يحلف إلا على أنه لم يخفه عنه، فمسألتك مثلها.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الحالف إنما يحنث بالمعنى الذي حلف عليه، لا بمجرد الألفاظ إذا خالفت المعاني؛ لأن الحكم إنما هو للمقصود بالقلب لا لمجرد اللفظ المنطوق به، ألا ترى أن المعنى الواحد المقصود إليه بالقلب يعبر عنه بألفاظ كثيرة مختلفة، ولغات شتى مفترقة، فلا يتغير معناه عند السامع له بهذه الألفاظ المختلفة واللغات المفترقة باختلاف العبارات عنه، وقد يفهم من اللفظ خلاف موضوعه في اللغة، فيكون الحكم للمفهوم من اللفظ، لا لموضوع اللفظ وحقيقته في اللغة، وهذا كثير موجود في القرآن والسنن والآثار، قال الله تعالى:{فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ}[الزمر: ١٥] . فهذا أمرٌ المفهوم منه النهي، وقال عز وجل:{إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ}[هود: ٨٧] ، فهذا مدح، والمراد به السبّ والاستهزاء، وقال عز وجل:{إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}[العنكبوت: ٤٥]