قال محمد بن رشد: اعتل لقوله في هذه المسألة بعلتين: إحداهما: قوله: وذلك ما لا يستطيع غيره، وذلك أنه لما كانت المساجد من البيوت التي لا يصح التحجير فيها، وكان الحالف من أجل ذلك قد علم أنه لا يمكنه التوقي من أن يجامعه فيه المحلوف عليه في المسجد، حمل يمينه على أنه إنما أراد ألا يأويه وإياه سقف بيت يمكنه التوقي في أن يجامعه فيه، والثانية: قوله: ولم يكن المسجد من البيوت التي نوى وذلك أن المساجد وإن كانت بيوتا في لسان العرب بدليل قول الله عز وجل: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ}[النور: ٣٦] فليست بيوتا في عرف كلام الناس؛ إنما البيوت عندهم في عرف كلامهم بيوت السكن فحمل يمينه على عرف الناس لا على ما يقع عليه اسم بيت في اللسان العربي، فعلى هذه العلة لا يحنث إذا اجتمع معه في الحمام، خلاف قوله في سماع أبي زيد وهذا أصل مختلف فيه في المذهب، والقولان قائمان من المدنية، قال فيها في الذي يحلف ألا يأكل لحما فأكل لحم الحوت إنه حانث إلا أن تكون له نية لأن الله سماه لحما، وإن كان اللحم في عرف كلام الناس إنما يوقعونه على لحم ذوات الأربع.
وأما ما في سماع أبي زيد من أنه لا يحنث إذا جامعه في سقيفة فيها طريق في مروره بها فلا يحنث باتفاق، إذ ليست السقيفة التي تحتها الطريق ببيت في اللسان ولا في عرف الكلام إلا أن يقصد إلى الاجتماع معه فيها فيحنث إن كان إنما قصد هذا اجتنابه وترك مجامعته بالجلوس وغيره، وإن لم يكن نوى ذلك فلا حنث عليه عند ابن القاسم، ولكن لا يحنث عنده إذا دخل معه تحت ظل شجرة أو جدار أو شيء، قاله في المدونة وقال ابن نافع فيها: إنه حانث إن دخل معه تحت ظل جدار أو شجرة أو شيء، وأما إن حلف ألا يجمعه وإياه سقف ولم يقل سقف بيت فقال ابن حبيب: إنه لا يجامعه في مقعد ولا موقف لا تحت سقف ولا في صحراء إلا أن يريد ترك مجامعته في البيوت المسكونة وبالله التوفيق.