سأل العتق لنفسه ولم يسأله له غيره، وسأل الطلاق للمرأة غيرها ولم تسأله هي لنفسها؛ لأن من أعتق لا يقال له في عرف التخاطب إنه قضيت له حاجة بعتقه، وكذلك الطلاق لأنهما أعلى بأن يسميا حاجة في حق المعتق والمطلقة، وإنما يصح أن يسميا حاجة في حق من سأل ذلك لهما لغرض يكون له فيه، قال الله عز وجل:{وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا}[يوسف: ٦٨] .
وأما سحنون فساوى بين المسألتين، وذلك أن له في كتاب ابنه في مسألة ابن القاسم أن الزوج لا يلزمه الطلاق وإن قال: لم أظن أنك تسألني مثل هذا؛ لأن هذا ليس من الحوائج التي يتعارف الناس سؤالها إلا أن يكون جرى من الكلام ما يظن أنه أراد بحاجته الطلاق.
وذهب ابن دحون إلى أن يرد قول ابن القاسم إلى قول سحنون فقال: إنما ألزمه ابن القاسم الطلاق لأنه أسعفه فيما سأله، ولو قال له ليست هذه من الحوائج التي تنقضي لما لزمه شيء على ما فسره سحنون في مسألة العبد.
والصواب أن ابن القاسم يوافق سحنون في مسألة العبد ويخالفه فيما له في كتاب ابنه في مسألة الطلاق للفرق الذي ذكرناه بين المسألتين والله تعالى الموفق.
والظاهر من قول سحنون أن السيد إذا استحلفه العبد بالطلاق أن يقول مثل قوله، فقال له العبد: قل أنت حر، فإنه إن قال ذلك لزمته حرية العبد، وان لم يقله لزمه طلاق امرأته، وهذا يأتي على القول بأن العتق يلزم باللفظ دون النية، وعليه يأتي قول أشهب في مسألة ناصح ومرزوق من كتاب العتق الأول من المدونة، وعلى قول القاسم لا يلزمه الحرية وإن قال ذلك إلا أن يقوله وهو يريد بذلك الحرية على طريقة الإسعاف وبالله التوفيق.