علي حرام طلاق، فهو كمن لفظ بالطلاق لفظا، وليست الجهالة بأحسن حالا من العلم في هذا؛ لأن الطلاق جهالته علم، وجهالته طلاق، وكما أن جده طلاق، وهزله طلاق، ألا ترى أن الأعجمي يلفظ بالطلاق، ويطلق ولا يعرف الطلاق ولا ما هو؟ ولا حدوده، ولا أنه يلزم أو لا يلزم، فيلزمه ويحنث؟ فافهم.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن التحريم من كنايات الطلاق، وقد قيل: إنه من صريحه، وإلى هذا ذهب أصبغ، وقال: إن الجاهل لا يعذر في ذلك بالجهل؛ لأن صريح الطلاق لا يعذر الجاهل فيه، ولا يسأل أحد هل أراد بذلك الطلاق أو لم يرده، ولا يصدق إن قال: إنه لم يرد به الطلاق، وإن أتى مستفتيا، فزعم أنه لم يرد بذلك جرى ذلك على الاختلاف في مجرد اللفظ دون النية، هل يلزم به الطلاق أم لا، والأظهر أنه لا يلزم به، وكذلك الحكم في كنايات الطلاق البينة.
وقد اختلف في صريح الطلاق ما هو على ثلاثة أقوال؛ أحدهما: أن صريحه لفظ الطلاق خاصة، وأن كناياته ما عدا ذلك مثل الخلية، والبرية، وحبلك على غاربك، وفارقتك، وسرحتك، وما أشبه ذلك، والى هذا ذهب عبد الوهاب. الثاني: أن تكون الألفاظ كلها صريح في الطلاق، وبعضها أبين من بعض، وإلى هذا ذهب ابن القصار. والثالث: أن صريح الطلاق ما ذكر الله في كتابه، وهو الطلاق، والسراح، والفراق، وهو مذهب الشافعي.
وقوله: إن هزله جد، صحيح لا اختلاف في لزومه الطلاق له، وإن كان هازلا إذا أراد بذلك الطلاق؛ إذ قد يتصور إرادة الطلاق مع الهزل، وكذلك قال مالك في رسم الطلاق، من سماع أشهب، من كتاب التخيير والتمليك: إن الطلاق للاعب لازم إذا أراد به الطلاق، فمعنى قولهم في الطلاق: إن هزله جد، هو أن الطلاق يحكم به عليه، وإن ثبت أنه كان لاعبا لم ينتفع بذلك، وأما إذا أتى مستفتيا فقال: كنت لاعبا، أو لم أرد بذلك طلاقا، وإنما قلت ذلك على وجه ذلك مما يذكره، فيصدق في ذلك، ولا يلزمه الطلاق على القول بأن الطلاق لا يلزم بمجرد القول دون النية، وبالله التوفيق.