لا يصح له معنى. وقد قال ابن القاسم أيضا في سماع أصبغ من كتاب الصيد: إن المضطر يشرب الدم ولا يشرب الخمر، وقال أيضا إنه يأكل الميتة ولا يقرب ضوال الإبل. واحتج ابن وهب هناك للفرق بينهما وبين الميتة والخمر بمثل حجة أصبغ هنا سواء، وليست بحجة، إلا من جهة التعلق بالظاهر، وليس مذهبنا التعلق به وترك القياس والفرق بين الدم والخمر من جهة القياس أن تحريم الدم عبادة لا لمعنى يتوقع من شربه، وتحريم الخمر لما يتوقع من شربه من وقوع العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله وعن الصلاة.
والفرق بين الميتة وضوال الإبل من جهة القياس أن الميتة لا ملك لأحد عليها بخلاف ضوال الإبل، فلا يكون باستباحتها عند الضرورة متعديا على أحد كما يكون إذا استباح ضوال الإبل. فإذا قلنا بالفرق بين ذلك من جهة القياس أو من جهة التعلق بالظاهر، فهل يمتنع من الخمر وضوال الإبل وإن لم يجد الميتة؟ أو هل إنما يلزمه الامتناع منهما مع وجود الميتة؟ فالظاهر من قول أصبغ أنه يمتنع منهما بكل حال، والظاهر من قول ابن وهب إنما يلزمه الامتناع منهما إذا وجد الميتة، ويأتي على ما في الموطأ لمالك من أن المضطر إذا وجد مالا لقوم وأمن أن يعد سارقا فتقطع يده كان أكل ما وجد للقوم أولى من أكل الميتة، أنه إذا وجد الميتة وضوال الإبل أكل الضوال ولم يأكل الميتة، فهي مسألة يتحصل فيها أربعة أقوال: أحدها: المساواة بينهما، والثاني: أن الأولى به إذا وجدهما أن يأكل الميتة، والثالث: أن الأولى به إذا وجدهما أن يأكل ضوال الإبل، والرابع: أن لا يقرب ضوال الإبل بحال.
وتعليل قول مالك لقوله إن المضطر لا يشرب الخمر بأنها لا تزيده إلا شرا يدل على أنه لو كان له في شربها منفعة لجاز له أن يشربها، وأن لا فرق عنده بين الميتة والخمر في إباحتهما للمضطر.
وقد استدل محمد بن عبد الحكم في كتاب المولدات على أن هذا مذهب مالك بهذا التعليل الذي علل به قوله، واحتج على صحته بأن من غص بلقمة فخشي على نفسه الموت ولم يجد ماء يستسيغها به إلا بالخمر أن ذلك جائز له، والظاهر من قول أصبغ أن