على ضربها ويريد أن يستعجل دنانير مضروبة من عند الضراب فيبادله إياها بذهبه ويزيد قدر أجرته على ضربها، وهما وجهان مذمومان لا خير فيهما، إلا أن الأول منهما أخف من الثاني فخففه في هذه الرواية لحاجة الناس إلى ذلك؛ لأن معنى قوله فيها: ويأخذ منه دراهم مضروبة أي يأخذ منه دراهم مضروبة إذا فرغ من ضربها مع غيرها على حساب فضته، وحكى أنه قد كان يعمل به بدمشق ورأى تركه أحب إليه، وقال: إن أهل الورع من الناس لا يفعله، وأجازه أيضا في رسم مسائل البيع، وكذا من سماع أشهب إذا كانوا يخلصون الأذهاب ولا يغشونها، ولم يكن في البلاد إلا سكة واحدة، وقال: إنه قد كان يعمل به في زمن بني أمية بدمشق؛ لأنها كانت سكة واحدة والتجار كثير، والناس مجتازون والأسواق متفاوتة، فلو جلس كل واحد منهم حتى يضرب ذهب صاحبه فاتت الأسواق، فلا أرى لذلك بأسا، قال: فأما اليوم فإن الذهب يغش، وقد صار لكل مكان سكة تضرب فلا أرى ذلك يصلح، وإلى هذا ذهب ابن المواز من رأيه أن ذلك لا يجوز اليوم؛ لأن الضرورة قد ارتفعت، وأجاز ذلك أيضا مالك في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب الشركة في عصير الزيتون، وقال سحنون: لا خير فيه، وإليه ذهب ابن حبيب، وحكى إنه سأل عن ذلك من لقي من المدنيين والمصريين فلم يرخصوا فيه على حال.
وأما الوجه الثاني وهو استعجال الدنانير ومبادلتها بالذهب بعد تجميعها وتصفيتها مع زيادة أجرة عمل مثلها فقال ابن حبيب: إن ذلك حرام لا يحل لمضطر ولا غيره، وهو قول ابن وهب وأكثر أهل العلم وخفف ذلك مالك في نذر سنة يصومها بعد هذا لما يصيب الناس في ذلك من الحبس مع خوفهم في ذلك، كما جوز للمعري شراء العرية بخرصها وكما جوز دخول مكة بغير إحرام لمن يكثر التردد إليها، ثم قال: ما هو من عمل الأبرار، وقال ابن القاسم فيه: أراه خفيفا للمضطر وذوي الحاجة، والصواب أن ذلك لا يجوز إلا مع الخوف على النفس الذي يبيح أكل الميتة، وإنما خفف ذلك مالك ومن تابعه على تخفيفه مع الضرورة التي لا تبيح أكل الميتة مراعاة لقول من لا يرى الربا إلا في النسيئة، روي ذلك عن ابن