عبد الحق إلى أن الفريضة تفترق من النافلة على مذهبه في المدونة، وأنه إنما قال فيها إنه يقطع في الفريضة بخلاف النافلة؛ لأن الفريضة إذا قطعها يعود إليها، والنافلة إذا قطعها لا يعود إليها؛ ولأن المريضة إذا تمادى عليها تحول نيته إلى نية النفل، والنافلة إذا تمادى عليها لم تحل نيته عما أحرم عليه. والصواب أن لا فرق في هذا بين النافلة والفريضة، وأن الخلاف يدخله في كل واحدة منهما من صاحبتها؛ لأن نية الفرض مقتضية لنية النفل، فلا تأثير لتحول نيته من الفرض إلى النفل في إيجاب القطع؛ ولأن الفريضة وإن كان إذا قطعها يعود إليها فإنه وإن عاد إليها فقد أبطل على نفسه ما هو فيه، وإذا أتمها نافلة لم يبطل على نفسه ما دخل فيه وحصلت له نافلة وفريضة، فاستوت مع النافلة في أن الحظ له في أن لا يقطعها.
ويؤيد هذا الذي قلناه أن ابن حبيب قد قال في الفريضة إنه يتم على إحرامه ركعتين خفيفتين نافلة، ثم يدخل مع الإمام. وقد حكى الفضل أن أصحاب مالك ذهبوا إلى أنه يقطع في الفريضة ويتم في النافلة، وأن عيسى بن دينار ساوى بين الفريضة والنافلة لقول ابن حبيب، وروى أشهب عن مالك أنه يتم في الفريضة ويقطع في النافلة ضد التفرقة المذكورة، فيحصل في المسألة أربعة أقوال: هذان القولان، والثالث أنه يقطع فيهما جميعا، والرابع أنه يتم ركعتين فيهما جميعا على ما صححناه.
وأما إذا أقيمت عليه الفريضة وهو في نافلة أو فريضة وقد عقد منها ركعة فإنه يتم إليها ثانية، ولا اختلاف في هذا إلا في المغرب على ما سيأتي في سماع سحنون إن شاء الله. وإنما قال إنه يقطع بسلام ولا يجزيه أن يحرم وينوي بذلك القطع لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تحريم الصلاة التكبير وتحليلها التسليم» ، فإذا دخل مع الإمام قبل أن يتحلل من الصلاة التي دخل فيها بسلام أو كلام بطلت عليه، وهذا بين، وبالله التوفيق.